الصحة الرقمية بالمغرب: بين التطلعات المتنامية والإمكانات المهدورة

مقدمة:

ظلت السياسات الصحية الوطنية منذ عقود موضوعا مركزيا شغل الفاعلين المؤسساتيين كما عموم المواطنين، فبقدر ما عمل المدبرون العموميون على بذل الجهود للاستجابة للانتظارات وتعبئة كل الإمكان التشريعي والمؤسساتي والمالي من أجل ذلك، بقدر ما بقي البون متسعا بين التطلعات والإنجازات.

وقد كان من حسنات جائحة كوفيد 19، بالرغم من انعكاساتها المدمرة، أنها نبهتنا إلى مكامن الخلل في السياسات المعتمدة، كما ولدت فينا روح التحدي لمواجهة المخاطر المحدقة، وهكذا قدم المغرب نموذجا ملهما في نجاعة مواجهة الوباء شهدت له به منظمة الصحة العالمية التي بوأت بلادنا ضمن المراتب العشرة الأولى عالميا بفضل النجاح في عملية التلقيح، ومن أوجه النجاح أيضا ما أمكن تصميمه من منصات وحلول رقمية أسهمت في فعالية التصدي.

ومما “نَمْتَنُّ” به لوباء كوفيد 19 أنه أيقظنا من الغفلة عن الإمكان الهائل الذي يوفره إطار الصحة الرقمية، وضرورة القطع مع التردد العمومي لوضع قطار هذا الورش على سكته الصحيحة.

ولنقل ابتداء إن الصحة الرقمية، حسب تعريف منظمة الصحة العالمية، هي “استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض الصحة”، ويشمل هذا المفهوم مفاهيم الصحة المتنقلة والرعاية الصحية عن بُعْد والتطبيب عن بُعْد، وتكنولوجيا المعلومات الصحية وغيرها. ويشهد هذا الورش طفرة عالمية هائلة حيث قُدِّر حجم سوق الصحة الرقمية سنة 2019 ب 234.5 مليار دولار أمريكي ويرتقب أن يصل في أفق سنة 2024 إلى 600 مليار. [1]

وعلى المستوى الوطني، يحظى ورش الصحة الرقمية بتأطير سياسي وتشريعي ومؤسساتي وتنظيمي وتقني هام، خصوصا ما تعلق بتشريع التّطبيب عنْ بُعْد الذي يوفره القانون رقم 131.13 المتعلق بمزاولة مهنة الطب [2]، وإحداث بوابة حجز المواعيد عبر الأنترنت(mawiidi.ma)، والمنصة الإلكترونية التي أحدثتها الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، قصد تتبّع نظام المساعدة الطبية(راميد(، وبوابة الشكايات(Chikaya) لفائدة الأشخاص المستفيدين من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض.

غير أنه ثمة مفارقة يعكسها الترتيب العالمي للمغرب المُخِلِّ في مجال الصحة الرقمية، حيث يحتل المغرب:

  • منذ سنة 2015، المرتبة الثالثة جهويا(08 %)، في مجال جذب الاستثمار في المقاولات الناشئة التكنولوجية، مسبوقا بمصر(80 %) ثم تونس(11 %) ثم الجزائر(1 %) [3]؛
  • المرتبة العاشرة أفريقيا، في المؤشر العالمي للمنظومة المؤسساتية للمقاولات الناشئة، والمرتبة 95 عالميا، و”المغرب مهدد سنة 2023 بالخروج من التصنيف العالمي للدول المئة الأولى في هذا المؤشر”[4]؛
  • المرتبة 75 عالميا (من ضمن 131 بلدا)، في مؤشر الابتكار العالمي( Global Innovation Index)، الذي يقيس العوامل المتعددة الأبعاد للابتكار، حسب تقرير سنة 2020 للمنظمة العالمية للملكية الفكرية[5]؛

فما الذي يفسر عجز قطاع الصحة في بلادنا عن الاستفادة أكثر من الثورة الرقمية، ويجعل ترتيب بلادنا جهويا وقاريا وعالميا ترتيبا غير مشرف؟

لقد صدرت تقارير عديدة لمؤسسات وطنية سلطت الضوء على الأعطاب التي تَسِمُ ورش الصحة الرقمية في المغرب، ومن ضمن هذه المؤسسات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الأعلى للحسابات، واللجنة الخاصة للنموذج التنموي، والمنظمة العالمية للصحة، ومن آخر هذه التقارير “الكتاب الأبيض حول الصحة الرقمية في المغرب: حقائق، رهانات، ورافعات للتنمية ” Livre blanc sur la e-santé au Maroc: Réalités, enjeux et leviers de développement ”، الذي أعده مركز الابتكار في الصحة الرقمية، التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط، وقُدِّمَ للرأي العام في لقاء صحافي يوم 07 أبريل الماضي. ويمكن اعتبار الكتاب الأبيض محاولة تشخيصية محترمة لوضعية ورش الصحة الرقمية في بلادنا، سيفيدنا إلى جانب تقارير أخرى في محاولة الإجابة عن السؤال الآتي:

كيف يمكن تفسير المفارقة بين الوُسْعِ الوطني المتاح لتحقيق الانتقال الرقمي للصحة بالمغرب وبين تواضع تَمَوْقُعِه الصحي الرقمي العالمي؟. وهل من سبيل لمعالجة تلك المفارقة؟.

Le ministère de la Santé s’attelle à la mise en place d’un système d’information fondé sur le dossier patient

1.الإطار المؤسساتي والمجتمعي:

يعتبر الإطار المؤسساتي شرطا لازما لنهضة أي ورش أو تفعيل أي سياسة، فهو الذي يقود التغيير المنشود، باستدعاء الأدوات الإجرائية، وفي قلب هذا الشرط يتموقع الإمكان البشري المعهود له تنفيذ الاختيارات المحددة، وكل ذلك لا قيام له إلا بوجود الحاضنة المجتمعية لتلك الاختيارات التي هي الهدف في النهاية.

  • الإطار المؤسساتي:

في حالة ورش الصحة الرقمية في بلادنا، فإن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية هي التي تشرف على كل السياسات ذات الصلة، تسندها في ذلك أجهزة ومؤسسات مختلفة إلى جانب المؤسسات الصحية.

لكن هل أمكن للترسانة المؤسساتية الصحية في بلادنا أن تؤهلها لكسب تحدي نجاعة العرض الصحي الوطني والعرض الصحي الرقمي بشكل خاص؟

فبصرف النظر عن الاختيارات المؤسساتية في العديد من التجارب العالمية، فإنه لا يبدو ملائما التفكير في إحداث مؤسسة وطنية بديلة تعلو على الوزارة الوصية، لأن هذه الأخيرة هي التي يتعين أن تتحمل المسؤولية الدستورية والسياسية عن تفعيل التوجيهات الملكية والبرامج الحكومية، ولا يتعارض ذلك مع مطلب تقوية الإطار المؤسساتي الصحي الوطني.

ووفق هذا التصور، يمكن فهم مقترح واضعي الكتاب الأبيض بإحداث وكالة وطنية خاصة بالصحة الرقمية، تتمتع بالاختصاصات والوسائل الضرورية للقيام بوظائفها على أحسن وجه.

وهو المقترح الذي يتناغم مع توصية المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الواردة في تقريره عن “الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا” كوفيد -19” والسبل الممكنة لتجاوزها“، الداعية إلى ” تفويض الإشراف على مشروع المنصة الرقمية(التي أوصت أيضا بإحداثها) إلى هيئة عليا، تتمتع بصلاحيات واسعة، وتعبئة جميع الفاعلين في القطاع الصحي حول هذا المشروع”[6].

من جهة أخرى، أكد الكتاب الأبيض حول الصحة الرقمية بالمغرب أن” النجاح في ورش الصحة الرقمية يتأسس على مقاربة تشاركية متمركزة حول المريض، معَبِّئَة لمجموع فاعلي المنظومة المؤسساتية الصحية الرقمية المعنيين حول الفاعل المركزي الذي هو وزارة الصحة”[7].

ولدعم هذا التوجه، ولإغناء الإطار المؤسساتي الرقمي الصحي الوطني، يتعين كما قال بذلك الكتاب الأبيض، تحريك المقاولات الناشئة المغربية العاملة في مجال الصحة الرقمية، وتحفيز الاستثمار الوطني والأجنبي في قطاع التكنولوجيات الجديدة.

  • الإمكان البشري:

تعتبر الموارد البشرية العاملة في المؤسسات الصحية الرقمية، رافعات أساسية لورش الصحة الرقمية، لذلك لا يتصور النجاح في هذا الورش بدون تأهل وتأهيل وانخراط تلك الموارد.

والدارس لمختلف سياسات تدبير الموارد البشرية في الإدارة العمومية المغربية، يلحظ عطبا فظيعا يتعلق بتصور مكانة الموظفين العموميين في أوراش الإصلاح لدى المدبرين، فبدل أن يكونوا شركاء، يُتعامل معهم كمأمورين منفذين، لذلك والحالة هذه لا ينتظر منهم المأمول من الأداء المسكون بالتحفز والتعبئة والانخراط والإبداع والتفاني.

وفيما يتعلق برهان النهوض الرقمي بالقطاع العام، وضمنه القطاع الصحي، لم نلحظ بعدُ انزياحا بما يكفي عن المنطق السابق في التعامل مع الموظفين من منطلق المأمورين التابعين، لذلك من الطبيعي أن تصطدم المبادرات العمومية للتحول الرقمي بممانعة ثقافية ونفسية من قبل المعهود إليهم إنفاذ السياسات والبرامج، وما يتم اليوم من إجراءات لإصلاح هذا العطب يبقى محتشما ومتواضعا.

لذلك نبهت العديد من تقارير المؤسسات الوطنية والأجنبية إلى ذلك، وأكدت بصفة خاصة على إشكال عطب الثقافة الرقمية عند عموم الموارد البشرية، ومن ذلك ما أشار إليه الكتاب الأبيض أن “الممارسين بسبب تخلف الثقافة الرقمية لديهم يفضلون دائما الاشتغال على الحامل الورقي عند تجميع ومعالجة معطيات المرضى”[8].

إن الحديث عن غياب الثقافة الرقمية عند عموم الموارد البشرية العمومية، لا يصطدم مع القول إن إدارتنا العمومية غنية بخبرات وكفاءات رقمية تعتبر أعمدة وركائز لا مندوحة عنها، وبوسعها أن تبدع في البحث الرقمي وفي الإنتاج الرقمي وفي التدبير الرقمي وتفيد الإدارة المغربية دون حاجة إلى استدعاء الخبرة الأجنبية المكلفة، وطالما لجأت بعض القطاعات والمؤسسات، للأسف، إلى المناولة الأجنبية لإنجاز البحوث والدراسات وفي الإمكان البشري الوطني ما يفيد ويغني ويشرِّف.

وفي هذا الإطار يوصي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره عن “الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا” كوفيد -19” والسبل الممكنة لتجاوزها”، ب”الحرص على إسناد إنشاء المنصة الرقمية(التي دعا لإحداثها) للخبرات الوطنية من أجل المساهمة في تعزيز السيادة الرقمية للبلاد”[9]. ولنفس الغاية يوصي الكتاب الأبيض بتهيئة الموارد البشرية لورش الصحة الرقمية عبر التحسيس والتكوين.

  • موقع المجتمع من ورش الصحة الرقمية:

إذا كان يراد من ورش رقمنة الصحة، تسهيل الحياة على المرضى وعلى ذويهم ورفع نجاعة التطبيب وتخفيض التكلفة وغيرها، فإن عدم وعي المواطنين بأهمية وملحاحية الصحة الرقمية بل وحتميتها، وعدم انخراطهم العملي في آلياتها، سيديم أعطاب المنظومة الصحية الوطنية ويهدد الجهود العمومية بآفة الهدر.

ومن هنا يبدو مصيريا إنجاح “رقمنة المجتمع” ليكون رديفا لنجاح التدبير الرقمي للسياسات العمومية. لذلك ما فتئت عدة مؤسسات وطنية ودولية تنبه لهذا المحذور، ومن ذلك ما أشار إليه الكتاب الأبيض من أن نسبة الأمية المرتفعة خصوصا وسط الساكنة القروية ووسط النساء تشكل كابحا من كوابح رقمنة الصحة[10].

وفي نفس الاتجاه أكد الكتاب الأبيض على رهان” النضج المجتمعي والثقافي، الذي سيتأتى من جهة، بمصاحبة التغيير الثقافي لدى المواطنين، غير المتعودين على التكنولوجيات الجديدة، ومن جهة أخرى، لدى الممارسين الذين يُنْزِلُون الأنظمة المعلوماتية منزلة الأعمال المتسخة، والسبب في ذلك راجع لغياب التحفيزات”[11].

كما دعا ذات التقرير إلى تحسيس الجمهور بفوائد ورهانات الصحة الرقمية وتحفيزه لتملكها وتأسيس ثقافة الرقمنة في البلد.

2.الإطار الوظيفي للصحة الرقمية بالمغرب:

إذا كان الإطار المؤسساتي والمجتمعي يوفر بيئة الإنتاج وبيئة الاحتضان للتحول الرقمي الصحي على التوالي، فإن ذلك يستدعي مجموعة من المقومات والأدوات لن ينهض الورش بدونها، ومن أهم تلك المقومات والأدوات موضوع الرؤية وموضوع البنيات التحتية.

  • الرؤية:

والمقصود بذلك امتلاك الرؤية على استبصار الغايات والأهداف القمينة بتحقيق النهضة الرقمية المأمولة، ويمر ذلك عبر التخطيط، والبرمجة السنوية ومتعددة السنوات.

والملاحظ ابتداء، وكما أشار إلى ذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره بعنوان” نحو تحول رقمي مسؤول ومُدْمِج”، فإنه يُسَجَّلُ “تأخّر في تنفيذ الاستراتيجيات السابقة المعتمَدة من أجل تحقيق التحول الرقمي في عدّة قطاعات مثل الإدارة والصحة والتعليم والصناعة”[12]، وإن كان في تقديرنا أن الاستراتيجية الوحيدة التي لها مرجعتيها هي استراتيجية المغرب الرقمي 2009/2013، وما أعقب ذلك من حديث عن استراتيجيات فهو محض كلام عن شيء لا وجود له في الواقع.

وقد أجمعت كل التقارير الصادرة عن المؤسسات الوطنية والدولية على غياب استراتيجية رقمية محكمة للمغرب، وطالبت بوضع حد لهذا الإخلال الذي ما يزال مستمرا إلى يوم الناس هذا، أما الحديث عن استراتيجية صحية رقمية فهو إشارة إلى فرع لم يولد أصله بعد. ولعل هذا يفسر دعوة مؤلفي الكتاب الأبيض إلى “بلورة سياسة مندمجة للصحة الرقمية للبلاد، وصياغة سياسة واستراتيجية وطنيتين للصحة الإلكترونية”

وما يبعث على التفاؤل تنصيص البرنامج الحكومي 2021-2026 على إجراءات من شأنها تعزيز الصحة الرقمية، ومن بينها الإجراءان الآتيان:

  • اعتماد السجل الطبي الرقمي؛
  • تطوير الطب عن بعد؛[13]

والرهان معقود اليوم، على ترجمة الإجراءات الرقمية في السياسات العمومية والقطاعية  إلى واقع ملموس في أقرب الآجال، لتدارك التأخر المسجل ولتثمين توصيات الهيئات مُصْدِرة التقارير المعنية.

  • البنية التحية الصحية الرقمية:

يسجل أن العديد من المراكز الاستشفائية الجامعية والمستشفيات على مستوى الجهات الصحية أرست أنظمتها المعلوماتية، ومن ذلك على سبيل المثال البرنامج الوطني لصحة الأم والطفل (تطبيقSMI-PF)، والبرنامج الوطني لمكافحة السل(تطبيقISILAT).

غير أن التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019 و2020 قد توجه بانتقادات عديدة للنظام المعلوماتي لوزارة الصحة، واصفا إياه بكونه يفتقد للفعالية والاندماج، كما وصف البرامج المعلوماتية بعدم التجانس وعدم التوافق وضعيفة الاستغلال، وأن الوزارة حسب ذات التقرير لا تتوفر على منهجية واضحة لتدبير المشاريع المعلوماتية على أساس مبادئ حكامة نظم المعلومات ولا تتوفر على آليات لتتبع هذه المشاريع، ووصف التقرير من جهة أخرى البنية التحتية الرقمية الحالية للوزارة بالضعف وعدم الكفاية وعدم التلاؤم وأنها لا تستجيب للحاجيات المتزايدة للوزارة[14].

أما المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فقد أثار في تقريره بعنوان” نحو تحول رقمي مسؤول ومدمج”، إلى أنه “على مستوى قطاع الصحة، لا تسْمح الأدوات الرقميّة المتوفرة للأطبّاء حتى الآن بمُمارَسَة أنْشِطَتهم بشكلٍ كامِلٍ، وذلك بسبب الإكراهات التكنولوجية والإدارية العديدة التي يواجهونها. إنّ المنظومة الصحيّة تعاني، بشكْلٍ كبيرٍ، من نقص في الحضور الفعْليّ للطاقم الطبّي المُعالِج في المستشفيات، وكذلك من انْعدامِ ملفّات طبية )مُرَقْمنَة( خاصة بالمرضى. ولو كانت هذه الملفّات خاضعةً للتتبُّع والمراقبة بصورة منْتظِمَة، لأدّتْ إلى توفير قدْرٍ كبيرٍ من المُعطيات (المعطيات الضخمة)، وبالتالي ستؤدّي هذه الأخيرَة إلى إعداد تطبيقاتٍ تستند إلى الذكاء الاصطناعي، كتحديد ذكيّ للمواعيدِ تَبَعاً لجاهزية الطبيب، وتخْصيص الأَسِرَّة للمرضى، وتدبير الموارد بنجاعَة، والتعاون بين المستشفيات وإنجاز الدراسات الوبائية”[15].

وفي نفس المنحى يمضي تقرير الكتاب الأبيض عن الصحة الرقمية في المغرب، حيث يسجل على النظام المعلوماتي لوزارة الصحة ضعفه التقني مع ما يصاحب ذلك من صعوبات تجميع واسىتغلال المعطيات في العديد من البرمجيات وأنظمة المعلومات المتسمة بالتشتت والتضارب.

يضاف إلى ذلك حسب ذات التقرير ضعف الولوجية في الوسط القروي وضعف إدماج أنظمة المعلومات، ونقص التوافقية(interopérabilité)، وغياب “المعَرِّف الرقمي الوحيد للمريض(identifiant unique du patient)

وللتذكير فقد وضعت مختلف الاستراتيجيات القطاعية لوزارة الصحة منذ سنة 2008 اليد على ضرورة أجرأة نظام معلوماتي مندمج يأخذ بعين الاعتبار كل المهام والوظائف الصحية، غير أنه وبالرغم من كل المشاريع التي أطلقت لهذه الغاية إلا أن النظام المعلوماتي الحالي يقول الكتاب الأبيض ” يبقى ناقصا، غير متجانس، مجزأ، ومحدود الولوج “[16].

وفيما يتصل بالفجوة الرقمية المؤسساتية، والمقصود بها البَوْنُ الرقمي القائم بين مؤسسات القطاع العام ومؤسسات القطاع الخاص، فقد سجل الكتاب الأبيض ”تفاوتا قويا بين القطاعين العام والخاص فيما يخص الرقمنة. فعلى صعيد القطاع العام، فإن نسبة الأجهزة التي سجلت مستوى من الرقمنة تجاوز 75% لم تتعد 11% ، في حين بلغت مثيلتها بالنسبة لأجهزة القطاع الخاص ضِعْفَها في القطاع العام أي 21% ”[17].

ولمعالجة أوجه الخلل المشار إليها آنفا، فقد أوصت التقارير المعنية بما يلي:

  • أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تقريره عن “الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا” كوفيد -19” والسبل الممكنة لتجاوزها“، ب:
  • ” إحداث منصة رقمية فعالة ومؤَمَّنة تضمم جميع الفاعلين في المنظومة الصحية( الأطباء والصيادلة والمؤسسات الاستشفائية والهيئات المشرفة على تدبير التأمين الأساسي عن المرض ومؤسسات التأمين وغيرها”[18]؛
  • “إحداث السجل الطبي الرقمي للمواطن، وتأمين ربطه بالمنصة الرقمية، بهدف ضمان جودة الخدمات وتيسير الولوج إلى العلاجات”[19]؛
  • “مباشرة تطوير موسع للتطبيب عن بعد، لا سيما لضمان التتبع الطبي والرعاية الطبية في المناطق ذات الكثافة الطبية الضعيفة، في المناطق القروية وخلال الأزمات، وكذا من أجل تعزيز الوسائل المتاحة أمام مهنيي القطاع الصحي في مجالات الوقاية والتدريس والتكوين المستمر والبحث”[20]؛
  • أوصى الكتاب الأبيض ب:
  • ”إعطاء الأولوية للمؤسسات الصحية التي لا تتوفر على أنظمة معلوماتية تمكن من تحديد هوية المريض وتوثيق الخدمات وتوجيه الأنشطة وتنسيق العلاجات على كل مستويات التراب الوطني. ويضاف إلى ذلك أهمية توافقية الأنظمة المعلوماتية والمعرف الرقمي الوحيد للمؤَمَّن”؛
  • توسيع الاستثمار العمومي في الصحة الرقمية لإتاحة المجال لمشاركة الفاعلين المتخصصين، وإشراك القطاع الصناعي الرقمي الوطني الخاص لإنتاج برمجيات خاصة بالتغطية الطبية، وبما يخدم أيضا السيادة الرقمية لبلادنا؛
  • نشر نظام معلومات وطني للصحة شامل ومتداخل وقابل للتشغيل المتبادل؛
  • اعتماد ملف طبي وطني قابل للتقاسم، يكون ملزِما لكل مقدمي الخدمات الصحية؛
  • تشجيع إنتاج الحلول التكنولوجية الوطنية لتقليص التبعية للخارج؛
  • اعتماد الطب عن بعد على أوسع نطاق، خصوصا الاستشارة الطبية عن بعد، والخبرة عن بعد، لفائدة الساكنة التي توجد في وضعية عزلة صحية حرجة.[21]

خاتمة

أفاد وزير الصحة والحماية الاجتماعية يوم تقديم الكتاب الأبيض حول الصحة الرقمية بالمغرب، ” أن الوزارة منكبة حاليا على إرساء نظام معلوماتي مندمج يعتمد على ملف المريض ويشمل في الوقت ذاته مؤسسات الرعاية الصحية الأولية والمؤسسات الاستشفائية”[22].

ويعتبر إرساء النظام المعلوماتي الوطني في قطاع الصحة إلى جانب ملف المريض(الملف الطبي المشترك) مطلبين جوهريين أبانت عنهما مختلف التقارير المرصودة في هذا المقال، وتقارير أخرى ضاق المجال عن إيرادها.

فهل سيستجيب مشروع القانون الإطار 06.22 المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية لهذين الرهانين بالخصوص؟ وهل سيعالج هذا المشروع الخصاص الذي وسم القانون الإطار الحالي 34.09 المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات[23]، على مستوى الرقمنة، والذي اكتفى بإشارتين يتيمتين غير منتجتين بما يكفي؟.

إن مشروع القانون الإطار 06.22 خطوة ضرورية بلا شك لكنها لن تكون كافية، وليس بوسعنا التعليق على نص لم يُعْلَمْ بعد ولم ينشر للعموم، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وإلى ذلك الحين يبقى مهما التأكيد على ملحاحية التوصيات الوجيهة التي حفلت بها تقارير المؤسسات الوطنية والدولية المتعلقة بالصحة الرقمية، وكذا الالتزامات الدولية لبلادنا خصوصا مع المنظومة الأممية وبشكل أخص مع منظمة الصحة العالمية التي نصت عليها أساسا الاستراتيجية العالمية للصحة الرقمية 2000-2025.

وبعبارة أخرى، فإن الرهان الوطني اليوم هو إنتاج سياسة عمومية صحية رقمية تستجيب للتحديات المطروحة، وهذا القانون الإطار الجديد/ المشروع سيكون أحد أعمدتها بلا خلاف.

************************************************************************************************************************

[1]  Livre blanc sur la e-santé au Maroc: Réalités, enjeux et leviers de développement, p 27

[2]  الجريدة الرسمية 6342 بتاريخ 12/03/2015، ص 1607

[3]  Livre blanc sur la e-santé au Maroc: Réalités, enjeux et leviers de développement, p 31

[4]  Livre blanc sur la e-santé au Maroc: Réalités, enjeux et leviers de développement, p 32

[5]  Idem, p 33

[6]   الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس ورونا” كوفيد -19” والسبل الممكنة لتجاوزها، تقريرالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ص106

[7]  Livre blanc sur la e-santé au Maroc: Réalités, enjeux et leviers de développement, p 24

[8]  Idem, p 45

[9]  الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس ورونا” كوفيد -19” والسبل الممكنة لتجاوزها، تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ص 106

[10] Livre blanc sur la e-santé au Maroc: Réalités, enjeux et leviers de développement, p 45

[11] Idem, p 48

[12]  المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي- نحو تحول رقمي مسؤول ومدمج،  ج.ر عدد 7070، ص 1017؛

[13]

[14]  الجريدة الرسمية عدد 7073 مكرر، صص 1561-1562

[15]  المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي- نحو تحول رقمي مسؤول ومدمج،  ج.ر عدد 7070، ص 1024؛

[16]  Livre blanc sur la e-santé au Maroc: Réalités, enjeux et leviers de développement, p 21

[17] Idem ,p 60

[18]   الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس ورونا” كوفيد -19” والسبل الممكنة لتجاوزها، تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ص 105

[19]  نفسه، ص 106

[20]  نفسه، ص106

[21] Livre blanc sur la e-santé au Maroc: Réalités, enjeux et leviers de développement, p 81

[22]https://www.mapexpress.ma/ar/actualite/%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D9%85%D9%86%D9%83%D8%A8%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A5%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85/%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9-%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AA/

[23]  الجريدة الرسمية عدد 5962 بتاريخ 21/07/2011، ص3469


شاهد أيضا
تعليقات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.