موقع الحكامة الارتفاقية والالكترونية ضمن الاستراتيجية الوطنية لتحديث السلوك الإداري وعصرنة المناخ المؤسساتي
تمثل الحكامة، باعتبار موقع الحكامة الارتفاقية والالكترونية ضمن الاستراتيجية الوطنية لتحديث السلوك الإداري وعصرنة المناخ المؤسساتي، مدخلا أساسيا من مداخل ممارسة السلطة السياسية وإدارة شؤون البلاد بغرض تحقيق التوازن في مجالات ذات الصلة بالتدبير والترشيد المعقلن للموارد، بما يضمن تحسين مستوى المعيشة للأفراد والجماعات لضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتنمية البشرية، وتوجه الحكامة الجيدة والرشيدة بشكل مباشر لبناء السياسات العامة أو العمومية المركزية واللاممركزة مع تمكين الفرقاء والفاعلين القطاعيين من إطار قانوني يتيح الشروط المناسبة لتحقيق المشاركة الدامجة، الناجعة والفعالة ضمانا للانتقال الديمقراطي المرجو بغية تعزيز المشاركة المدنية السليمة وإعمال مبدأ العدالة الاجتماعية والشفافية وتكافؤ الفرص في إدارة شؤون البلاد والعباد.
منذ انطلاق العهد الجديد للمملكة المغربية مع تربع الملك محمد السادس عرش أسلافه الميامين، وحتى يومنا هذا، لوحظ أن جميع خطابات الملك محمد السادس قد تناولت بشكل كبير منظومة أو نظام الحكامة في علاقتها بتدبير الشأن العام وتعزيز مبادئ الحكم الرشيد من خلال إشراك مختلف النخب ضمن النقاش العام، بغية صياغة مخرجاته ضمن الوثيقة الدستورية الرسمية. ونستحضر بهذه المناسبة خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ 61 لثورة الملك والشعب، حيث أكد جلالته أن “الحكامة الجيدة عماد نجاح أي إصلاح” وهي بذلك تشكل دعامة أساسية لتحقيق أهداف الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وخاصةً صون مكتسبات النموذج التنموي للمملكة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي… وقد انبثق عن مبدأ الحكامة الرشيدة والجيدة عدة مصطلحات وتوصيفات مرتبطة بسياق المبدأ وطبيعته انطلاقا من المناخ الذي يحكم المناخ الذي ورد فيه، وفي هذه المادة سنتحدث عن الرؤية الاستراتيجية لإصلاح الإدارة وتنظيمها وهما من المؤشرات المرجعية لنظام الحكامة في شقيها “الحكامة التدبيرية – الارتفاقية والحكامة الرقمية”، نستحضر هذه الرؤية بخلفيات سامية، دستورية وقانونية، الخطابات الملكية السامية أكدت أن الملك يلعب دور الضابط والمنظم الذي يحقق التناغم الاستراتيجي بين المؤسسات ضمانا لتقييم السياسات العمومية وضمان حسن تدبيرها وهو الدور التي تم تفويضه بموجب مضامين الفصل 145 من الدستور للمسؤولين الترابيين بالجهات والأقاليم (المنظم = التنسيق بين المصالح اللاممركزة) (الضابط = مراقبة عمل الجماعات الترابية)، وبالحديث عن الحكامة التدبيرية المرتبطة بمناهج ومقومات التدبير الإداري بمختلف مستوياته وهو ما يمثل نظام الحكامة المرفقية او الارتفاقية التي تستند على الثقة في العلاقة بين المرفق والمرتفق في أفق تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن، وهو ما أكده جلالة الملك من خلال خطاب الدورة التشريعية العاشرة سنة 2016 “إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات هو خدمة المواطن، وبدون قيامها بهذه المهمة فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا” ومنذ ذلك الحين انكبت مختلف المؤسسات الدستورية والتشريعية والوزارية على تنزيل التوجيهات الملكية السامية بما يضمن تقريب الإدارة من المواطن عبر تبسيط المساطر وخلق مناخ استقبال يرقى لمستوى تطلعات المرتفق ويلبي احتياجات خدماته الإدارية، ففي سنة 2013 أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي تقريرا حول “حكامة المرافق العمومية“، يستعرض التقرير (ثلاثة ملاحق) مجموعة من المواضيع ذات الصلة بكيفية تدبير المرافق العمومية وفق نظام حكامة يرتكز على الرقمنة وتبسيط المساطر، تحسين ظروف الاستقبال واللجوء الى نزع الصبغة المادية عن المساطر الإدارية من خلال إقرار مشروع الإدارة الالكترونية الذي لايزال مشروع قانونها 41-19 خارج نطاق الخدمة (الدراسة والتصويت والتنزيل)، شكلت سنة 2018 (خطاب العرش) مناسبة قدم من خلالها الملك محمد السادس نصره الله نتائج تشخيص القطاع العام والقطاع الخاص حيث أكد جلالته أن (القطاع الخاص يتميز بالنجاعة والتنافسية بالإضافة الى نموذج التسيير القائم على آليات المتابعة والمراقبة والتحفيز عكس القطاع العام وخص بالذكر الموظف العمومي والإدارة العمومية التي تعاني من ضعف الحكامة وقلة المردودية، نقص الكفاءة بالإضافة الى انعدام الطموح اللازم وغياب الجد والاجتهاد علاوة على ضعف جودة الخدمات المقدمة للمواطنين…) وفي ضوء ذلك انكبت المؤسسات الحكومية والتشريعية على سن ترسانة قانونية موجهة لتحسين جودة الخدمات المقدمة الى المواطن نذكر على سبيل المثال لا الحصر القانون 55-19 المتعلق بتبسيط المساطر الإدارية، القانون 54-19 المتعلق بميثاق المرافق العمومية، القانون 31-13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة (الفصل 27 من دستور المملكة المغربية)، أما فيما يتعلق بالحكامة الرقمية فنستحضر دور المغرب في تنزيل مشروع الإدارة الالكترونية انطلاقا من برنامج “ادارتي” سنة 2010، مرورا بالاستراتيجية الوطنية E-Maroc سنة 2010 انتهاء بمخطط المغرب الرقمي سنة 2013، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد بل أن المملكة المغربية أحدثت وكالة التنمية الرقمية لتكون إطارا مؤسساتيا موازيا للحكومة في إعمال مخطط الحكامة الرقمية وعبرها تنزيل مشروع الإدارة الالكترونية من خلال السهر على ضمان تنزيل الترسانة القانونية الموجهة لتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن من داخل وحدات القرب الإداري وخارجها، ونذكر مشروع قانون 41-19 المتعلق بالإدارة الرقمية، القانون 09-08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، القانون 53-05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، القانون 03-07 المتعلق بالمخالفات المرتبطة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، القانون 20-05 المتعلق بالأمن السيبراني وأخيرا القانون 36-21 المتعلق بالحالة المدنية (التوقيع الالكتروني).
فمما لا شك فيه أن مجموعة من القطاعات الوزارية والإدارات العمومية بدأت بتنزيل مجموعة من البرامج المربطة بتحديث وعصرنة الإدارات ورقمنة ممارساتها الإدارية اليومية بغية مواكبة ومسايرة التطورات التكنولوجية الحاصلة وجعلها رافعة لتنزيل النموذج التنموي بتوصياته ومخرجاته الهامة، مؤخرا شاهدنا النظام المعلوماتي الذي يشتغل به مستشفى محمد السادس الذي أشرف على تدشينه الملك محمد السادس بمدينة طنجة، نظام معلوماتي يتيح ترابطا رقميا بين إدارة المستشفى والوافدين على هذا المرفق، الحساب الإداري للمريض خارج المرفق والحساب الرقمي للمريض داخل المرفق ويجمعهما نظام معلوماتي طبي يتيح إمكانية الاستشفاء في أي مصحة أو مشفى محلي أو مستوصف صحي دون تحمل عبئ تقديم الوثائق الورقية (الملف الإداري)، يكفي الادلاء ببطاقة التعريف الوطنية ورقم الحساب الرقمي للمريض ليستعرض النظام المعلوماتي الطبي جميع البيانات والمراحل التي مر منها المريض ومختلف العمليات التمريضية التي استفاد منها في الزمان والمكان وهو برنامج سيضفي نوعا من الشفافية ويشجع على الانخراط بمسؤولية في الارتقاء بالمرفق الصحي… هناك نماذج لإدارات ومؤسسات كثيرة ساهمت في الارتقاء بجودة الخدمات الإدارية وتصميم أنظمة حكامة ارتفاقية وفق توصيف متقدم لمخرجات ميثاق حسن استقبال المرتفق داخل المرفق العمومي باعتماد ميزة المكاتب الأمامية للاستقبال والمكاتب الخلفية لمعالجة الطلبات وتحديد مواعيد للإبلاغ عن جاهزية الخدمات المقدمة في الآجال المعقولة …
ونحن نساير عصر الذكاء الاصطناعي وزمن الحوسبة السحابية والبلوكتشين وأنترنت الأشياء وغيرها من ميكانيزمات الذكاء الترابي والمجالي، ينبغي دائما النظر الى هاته التطورات العلمية بخلفية قانونية لحماية أمن المؤسسات وأمن بيانات المواطن.