التحول الرقمي ضمن أسس بناء الثقة من أجل تعزيز الديمقراطية

مقدمة

التحول الرقمي ضمن أسس بناء الثقة: هي خلاصة دراسة بحثية صدرت عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية(OCDE) يوم 13 يوليوز الجاري، بعنوان”بناء الثقة لتعزيز الديمقراطية”(building trust to reinforce democracy)، استهدفت قياس وفهم العناصر المؤثرة والفاعلة في بناء ثقة المواطنين في المؤسسات العامة.

وقد أنجزت أغلب البحوث الخاصة بالدراسة خلال شهري نونبر ودجنبر 2021، وبعضها خلال سنة 2020، والباقي خلال الفترة: يناير – مارس من سنة 2022.

وفي 9 يونيو الأخير، صادقت لجنة الحكامة العمومية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية على الدراسة في أفق عرضها على الاجتماع الوزاري لدول المنظمة المرتقب خلال نونبر 2022.

  1. منهجية الدراسة:

تأسست الدراسة البحثية على العناصر المنهجية الآتية:

  1. مفهوم الثقة لدى المنظمة:

تُعَرِّف المنظمة الثقة بكونها” اعتقاد الفرد بأن شخصًا أو مؤسسة أخرى ستتبنى باستمرار السلوك الإيجابي الذي يتوقعه”، وهو ما يعني أن الثقة تمنح الأفراد الضمانات أن الآخرين والمؤسسات سيتصرفون كما هو متوقع.

وهذا المفهوم للثقة حسب المنظمة قد تمت بلورته بناء على بحوث جامعية امتدت لنصف قرن في تخصصات معينة من مثل العلوم السياسية وعلم النفس وعلم الاجتماع.

  1. عينة الدراسة:

شملت الدراسة 22 بلدا من البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وهي أستراليا والنمسا وبلجيكا وكندا وكولومبيا وكوريا والدنمارك وإستونيا وفنلندا وفرنسا وإيرلندا وإيسلندا واليابان ولاتفيا ولوكسمبورغ والمكسيك والنرويج ونيوزيلندا وهولندا والبرتغال وبريطانيا والسويد.

وقد حدد عدد أفراد العينة في كل بلد في 2000 شخصا، وبلغ عدد الأجوبة على أسئلة البحث من كل البلدان أكثر من 50.000 جوابا، وتعددت طرق الوصول للمستجوبين، بين البحث عبر الخط أو بالاستعانة بالمؤسسات الوطنية للبحث أو بمؤسسات خاصة.

  1. مجالات الدراسة:

سعت الدراسة لقياس ثقة المواطنين في المؤسسات العامة عبر خمسة محددات أساسية وهي:

  • الموثوقية:

وهو محدِّد قائم على مدى توقع احتياجات المواطنين وتقييم تطور الصعوبات التي يواجهونها، إلى جانب تقلص عدم اليقين في السياق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

  • التفاعلية:

بضمان سرعة تقديم الخدمات العمومية المتسمة بالجودة والابتكار والفعالية وأن تكون بتكلفة معقولة، ومتمحورة حول المواطن وتستجيب لاحتياجاته وتنال رضاه، على أن يخضع تدبيرها لتنسيق محكم بين مختلف المستويات الإدارية.

  • النزاهة:

وتعني احترام المؤسسات العامة للمعايير والمبادئ والقيم الأخلاقية بما يصون المصلحة العامة، وفي المقام الثاني أن يخضع اتخاذ القرار العمومي وتستخدم الموارد العمومية بإعلاء المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ومحاربة الفساد، وفي مستوى ثالث بوجود آليات المساءلة العمومية على كافة مستويات تدبير الشأن العام.

  • الانفتاح:

ويفيد وضع رهن إشارة العموم المعطيات العامة وإتاحة الوصول إليها، إلى جانب ضرورة التشاور والاستماع والتفاعل مع المواطنين، وأخيرا إتاحة الإمكان للإشراك والمشاركة وضمان تكافؤ الفرص أمام الجميع للانضمام والمشاركة في المؤسسات الديمقراطية التمثيلية.

  • الإنصاف:

وهو المحدد القائم على تحسين الظروف المعيشية لأفراد المجتمع، وضمان المعاملة المتساوية للمؤسسات العامة مع الأشخاص الذاتيين والاعتباريين، بصرف النظر عن وضعياتهم وخلفيتاهم وهوياتهم.

  1. أي مداخل لبناء الثقة في نظام الحكامة الديمقراطية؟:
  2. التدبير العمومي الموثوق للمعطيات الشخصية:

لا يمكن للثقة الرقمية، أي ثقة المواطنين في الإمكان الرقمي لأي بلد، إلا أن يكون سندا للحكامة الديمقراطية، ومن أوجه الثقة الرقمية ثقة المواطنين في تدبير السلطات العمومية لمعطياتهم الشخصية. وهذا ما أبرزته هذه الدراسة التي حرصت على رصد تقييم المستجوبين للتدابير الرقمية لبلدانهم وانتظاراتهم منها، بحيث لامست تمثلهم لمدى صدقية الخدمات العمومية والمعطيات المفتوحة.

وهكذا وحسب الدراسة، فإن غالبية المستجوبين في أغلب البلدان عبروا عن رضاهم عن مستوى الولوج للمعلومات، وصرح 51.1% منهم أن الإدارات العمومية تستعمل معطياتهم الشخصية بطريقة آمنة، وبلغت ثقة المستجوبين في بعض بلدان المنظمة مستويات أعلى بهذا الخصوص، كما أن 65.1% (قريبا من الثلثين) من مجموع المستجوبين أكدوا سهولة التعرف على المساطر الإدارية.

ودعت الدراسة السلطات العمومية في البلدان المشمولة بالدراسة إلى تعزيز الالتزام بتطوير الولوجية للأنظمة الرقمية وبحكامة استعمال المعطيات الشخصية، وكذا تقييم نجاعة الخدمات العمومية بالاستناد إلى تدابير ترضي المستعملين، وأكدت ذات الدراسة أن الجهود المبذولة من قبل السلطات العمومية لإبلاغ المواطنين بشأن طريقة تدبير معطياتهم الشخصية تكتسي بعدا مهما قمينا بتعزيز الثقة المؤسساتية.

  1. الثقة في نظام الحكامة في حد ذاته:

كشفت الدراسة أن 41.4 % فقط من المستجوبين( 10/4) يثقون في حكوماتهم الوطنية، أما عن مستوى رضاهم عن أنظمتهم الوطنية الصحية والتعليمية فبلغت 61.7 % و57.6 % على التوالي.

ومن جهة أخرى عبر المستجوبون عن ضعف رضاهم عن الإمكانيات التي توفرها السلطات العمومية من أجل المشاركة في مسلسل بلورة السياسات العمومية، وهكذا عبر قرابة 40 % منهم عن وُسْعِهم في إبداء آرائهم بشأن مبادرات السلطات المحلية التي تستهدف الجماعات التي يقيمون بها، في حين أن نسبة من يقدرون أن حكوماتهم الوطنية تأخذ بعين الاعتبار أراءاهم المعبر عنها خلال الاستشارات العمومية لم تتجاوز نسبة 32.9  %(أي أقل من الثلث).

ولمواجهة الخصاص في الثقة المؤسساتية، دعت الدراسة الحكومات الوطنية لدول المنظمة إلى الاستثمار في تطوير الآليات الكفيلة بالاستماع للمواطنين ومنحهم الفرصة للتعبير عن آرائهم وانتظاراتهم، ومن جهة أخرى تنمية أفضل نماذج الحكامة.

خاتمة

خلصت الدراسة إلى أن ثقة المواطنين في الأجهزة الحكومية، تستدعي أمرين في غاية الأهمية: تطوير الآليات العمومية لمواجهة المعلومات المضللة، وتطوير التمثيلية والمشاركة في الحياة العمومية وأن ترتكز الخدمات العمومية حول المواطن.

وفق هذا المنظور، يبرز موضوعان أفقيان يختصران كل تحديات الحكامة: إدماج التغيرات المناخية وجعلها أولوية، وثانيا استثمار التحول الرقمي لتعزيز الحكامة الديمقراطية.

باختصار، يمكن التأكيد أن التحول الرقمي ضمن أسس بناء الثقة، من أجل تعزيز الديمقراطية.


شاهد أيضا
تعليقات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.