الإدارة الرقمية بالمغرب وإشكاليات التحديث … متى ينتصر سؤال الإصلاح ؟

تمثل الإدارة الرقمية خيارا استراتيجيا يندرج ضمن الأوراش الكبرى للمملكة المغربية، لذلك يوليها جلالة الملك محمد السادس نصره الله أهمية قصوى ويحث على ضرورة التسريع من وتيرة الانتقال نحو نموذج إداري جديد يتسم بالجودة ويمتاز بالتبسيط والفعالية والتخليق، وهي فرصة نستحضر من خلالها مقتطفا من الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه جلالة الملك سنة 2016 في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة”…كما يتعين تعميم الإدارة الإلكترونية بطريقة مندمجة تتيح الولوج المشترك للمعلومات بين مختلف القطاعات والمرافق…”.

وفي نفس السياق يمكن التأكيد أن السلطة العليا للبلاد دعت في أكثر من مناسبة، إلى ضرورة تسليط الضوء على مختلف الجوانب المحيطة بالعلاقة التي تربط المواطن بالإدارة، مع ضبط الاختلالات التي تشوب هذه العلاقة ورصد الأعطاب التي تساهم في توسيع الفجوة بين هذين المكونين، وهو ما يعني “لا إدارة بدون مواطن، وبدون مواطن لا حاجة لنا بالإدارة”.

لا يمكن تصور أي بديل عن ورش التحول الرقمي كرافعة للتغيير، في ظل التحولات التي يعيشها العالم مع الثورة التكنولوجية بمختلف مستجداتها المتواترة بشكل سريع، وهو ما دفع المؤسسات الدستورية والتشريعية للانكباب على تصميم مقترحات فعالة ومندمجة تسمح للإدارات العمومية بتقويم مسار تدبيرها لشؤون المواطنين، كما تسمح بتحديث وعصرنة الممارسات والابتعاد عن التعقيدات المسطرية التي تثقل كاهل المرتفقين، وفي ضوء ذلك تمت المصادقة والتصديق على باقة متنوعة/ ترسانة من القوانين ذات الصلة بالتحول الرقمي وتبسيط المساطر وحكامة المرفق العمومي وما إلى ذلك من بدائل إصلاحية لتنهج المؤسسات العمومية سياسة تواصلية جديدة ترقى لتطلعات الجيل الرقمي الجديد من جهة، من جهة أخرى تروم تحسين جودة الخدمات الإدارية المقدمة إليه.

لكن وبالرغم من المجهودات التي تبذلها مؤسسات الدولة في سبيل إعمال نموذج إدارة فعالة، دامجة وصديقة للمواطن، إلا أن أغلبية إدارات القرب لم تتخلص بعد من العادات السلبية التي تسيء لسمعة المؤسسات وتتعارض مع التوجيهات الملكية السامية في تنزيل مضامين المقررات التنظيمية الرامية لإقرار إصلاح شامل وشمولي على مستوى الموارد البشرية ومناخ العمل مع تمكين الموظف العمومي من جميع الوسائل والآليات التي تساعده على الانتقال التدريجي من نمط التسيير الكلاسيكي نحو نمط التسيير المعصرن، فإلى أين تسير إدارات القرب المذكورة؟ وإلى من تسيء بتطبيعها مع ممارسات الأمس وتجاهل توصيات الإصلاح؟

لقد شكلت التوجيهات السامية منطلقا أساسيا لاستقراء مختلف الأوضاع التي تعيشها الإدارات العمومية واعتماد تشخيص مؤسساتي بين القطاعين العام والخاص لتحديد مكامن الخلل والنقائص ومحاولة البحث عن حلول سريعة ترفع أداء الإدارة وتسمح بقياس نجاعة مكوناتها بشكل منهجي، وهو ما أكده الملك محمد السادس من خلال نتائج التشخيص التي أفادت بأن القطاع الخاص يمتاز بنموذج تسيير قائم على آليات النجاعة والتنافسية عكس القطاع العام الذي يعاني من ضعف الحكامة وقلة المسؤولية وانعدام الطموح اللازم وما إلى ذلك من أعطاب تؤكد على أن إدارة اليوم تحتاج جيلا جديدا من الكفاءات قادر على استيعاب المتغيرات التي تعيشها المملكة المغربية، كما نحتاج لجيل جديد من المسؤولين المنفتحين على مبادرات خلاقة وطموحة تسهم بشكل أو بآخر في إقرار نظام حكامة إدارية يستجيب للحاجيات الداخلية والخارجية للمرفق العام، فيمكن لتلك المبادرات أن تشكل نقطة تحول جذري في مسار الإدارة أو نقطة مفصلية بين مرحلة اليوم والغد، إعادة النظر في الهياكل التنظيمية الكلاسيكية وابتكار تخصصات إدارية جديدة تساير وتواكب المهن الرقمية والذكية التي باتت تطل علينا كل يوم في نسخ جديدة محينة بين حين وآخر، هنا فقط سينتصر سؤال الإصلاح وسنتجاوز معيقات التحديث ما دامت الإرادة السياسية للمسؤولين الساهرين على سن القوانين حاضرة، منشغلة وحاملة لهموم التغيير والانتقال الذي نطمح له جميعا من أجل إدارة ذكية ومواطنة.

أخيرا يمكن القول أن سؤال الإصلاح سينتصر حينما نخطو بشكل عملي نحو اعتماد تسيير معصرن رقمي في الإدارات العمومية انطلاقا من توعية المسيرين بأهمية التحول الرقمي، بموازاة مع ذلك يتوجب وضع رؤية واستراتيجية واضحة المعالم تراعي البنية التحتية والتقنية الجديدة للمرفق مع ضرورة تطوير المهارات وتعزيز قدرات الموظف العمومي في الثقافة الرقمية الشاملة بما يتيح تحسين التواصل مع المرتفق والتعاون مع مختلف المتدخلين بنفس الحقل.


شاهد أيضا
تعليقات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.