المراكز الجهوية للبيانات … نحو جهوية متقدمة متصلة رقمية وذكية

تعيش المملكة المغربية ازدهارا كبيرا وواسعا منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش أسلافه الميامين، يتعلق الأمر بالأوراش الاستراتيجية والتنموية المستدامة والطموحة التي تتطلع لجعل المواطن الدينامو المحرك لعجلة التنمية واعتباره الحلقة الأقوى وفي رؤية الإصلاح الشمولية على جميع المستويات والأصعدة، وهي مناسبة لاستحضار خطاب جلالة الملك نصره الله حول أهمية العنصري البشري في تنمية البلاد “… يظل العنصر البشري هو الثروة الحقيقية للمغرب، وأحد المكونات الأساسية للرأسمال غير المادي، الذي دعونا، في خطاب العرش، لقياسه وتثمينه نظرا لمكانته في النهوض بكل الأوراش والإصلاحات، والانخراط في اقتصاد المعرفة، وإن ما حققه المغرب من تقدم، ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج رؤية واضحة، واستراتيجيات مضبوطة…”انتهى خطاب جلالة الملك.

وفي ضوء ما سبق يمكن القول إن المبادرات والأوراش التنموية التي قادها الملك محمد السادس قد شكلت دعامة أساسية في تعزيز رفاهية العنصر البشري بفضل الهندسة التنموية الفريدة والشاملة للبرامج الاجتماعية والقطاعية التي عرفتها المملكة المغربية…

دأبت المملكة المغربية منذ بداية العهد الجديد على استحداث مناهج ومقاربات استراتيجية ضمانا لمواكبة ومسايرة التطورات التي يعيشها العالم، ومن جهة أخرى الانخراط الجاد للمملكة في مختلف التصورات التي تتوخى خدمة المواطن وجعلها في قلب الدينامية التنموية الطموحة، سنة 2002 عرفت إحداث المراكز الجهوية للاستثمار بغية تعزيز المشاريع والاستثمارات بمختلف الجهات من خلال خلق إطار مرجعي لتأسيس المراكز الجهوية والدفع بعدم مركزية الاستثمار ضمانا للعدالة الترابية، سنة 2011 عرفت إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين من أجل منظومة وطنية متقدمة، سنة 2010 قام جلالة الملك محمد السادس نصره الله بتنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية لتسطير التوجيهات والمرتكزات الأساسية للجهوية المتقدمة باعتبارها رافعة لتحقيق الذكاء الترابي والحكامة المجالية، سنة 2018 صدر المرسوم 2.17.2018 بمثابة ميثاق وطني للتمركز الإداري بغية تحقيق وتحسين التنسيق والالتقائية بين مختلف المؤسسات والمصالح اللاممركزة المتواجدة بنفوذ تراب الجهات والأقاليم الوطنية، باختصار، تتجسد رؤية المملكة المغربية في إقامة بنية تحتية إدارية وتنموية قوية في جميع المناطق، بهدف تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق التوازن الترابي… من الصعب تصوير جميع التوجهات والاستراتيجيات الوطنية التي تعكس بوضوح تطور المغرب في وقت قصير، إلا أنه لا يمكن إنكار التقدم الذي يحققه وطننا في مجال التحول الرقمي والتنمية المستدامة، خصوصا وما يواكب هذه الأوراش من ترسانة قانونية لضمان التحول والانتقال الرقمي المنشود في أفق تحسين الحياة العامة وتجويد العرض الخدماتي الذي سيؤهل الإدارة ويرفع من أدائها نحو استيعاب مختلف المقاربات المستحدثة في هذا السياق، فبلادنا تولي أهمية كبيرة للتحول الرقمي والتنمية المستدامة، وتعمل بجد على تعزيز الثقة بين الإدارة والمواطن من خلال تحسين أدائها لمواكبة التطورات الحديثة وتقديم خدمات أفضل للمرتفقين.

المراكز الجهوية للبيانات Centre Régional des Données CRD:

لا يمكن إغفال أهمية تصميم وإحداث مراكز جهوية لتحليل ومعالجة البيانات المؤسساتية في سياق تنزيل ورش الجهوية المتقدمة وتحقيق مضمون وحمولة اللاتمركز الإداري وكذا المجتمع الرقمي، فالمراكز الجهوية للبيانات مقترح ذكي سيلعب دورا حيويا في تجميع ودمج وتحليل جميع البيانات الوصفية والمكانية ضمن نظام معلوماتي متقدم ومتطور علاوة على كونه مؤمن بأعلى مستويات الدقة، حيث ستعمل هذه المراكز على تحليل ومعالجة البيانات المؤسساتية الضخمة من مختلف المؤسسات المنضوية تحت يافطة المنظومة الإدارية الجهوية والإقليمية، وتطبيق تقنيات متقدمة لتحويلها إلى معلومات قيمة وإحصائيات دقيقة، ويرافق إحداث المراكز الجهوية للبيانات توفير بيئة موثوقة ومحمية لتخزين ومعالجة هذه البيانات الضخمة والحيوية التي ستسهم لا محالة  في صنع القرارات الاستراتيجية على مستوى الجهات والأقاليم، كما ستسهم في صياغة وتقييم السياسات العمومية والقطاعية في أفق تعزيز العدالة الترابية وتدعيم التنمية المستدامة على المستوى الجهوي.

فمقترحي لإحداث المراكز الجهوية للبيانات يهدف إلى تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات في صنع القرارات على مستوى الجهات والأقاليم. علاوة على جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالقطاعات الحيوية مثل الاقتصاد والتعليم والصحة والبيئة والنقل... لا يمكن الحديث عن مدن مستدامة أو رقمية دون صنع القرارات الذكية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والفوارق المجالية وكذا تحسين جودة الخدمات العمومية التي تمس الحياة العامة للمواطنين. لست خبيرا في الشق التقني لهذا المقترح لكن يمكنني القول إن أهمية المراكز الجهوية للبيانات تتجلى في توفير البيئة المثالية لتشغيل الخوادم Serveurs مع توفير أجهزة تبريد مناسب للمعدات المعلوماتية والتقنية، بالإضافة إلى توفير شبكة انترنت عالية السرعة ومستمرة بشكل دائم، يمكن متابعة هاته التفاصيل من طرف المهندسين المختصين تفاديا لحدوث أي عطل قد يؤثر على عملية الدمج والمعالجة والتحليل بالإضافة إلى ضرورة تطبيق إجراءات أمنية متقدمة مثل الوصول المشفر والحماية من الاختراقات(من خلال الامتثال لمعايير ANSI/TIA-942)، هاته النقط سنعالجها فيما بعد خصوصا التركيز على ضرورة إسناد إدارة المراكز الجهوية للبيانات للمسؤولين الأمنيين العاملين سواء بجهاز مراقبة التراب الوطني (مهندس دولة في المعلوميات برتبة عميد ممتاز فما فوق) أو المؤسسة العسكرية (خريج التكوين العسكري في مجال الهندسة المعلوماتية برتبة لواء ركن) حسب الجهة وطبيعة حساسيتها الجغرافية…

إن النموذج المقترح لا يتعدى كونه مركزا لتخزين البيانات الخاصة لذلك تندرج مهامه في إطار الربط والترابط الشبكي الرقمي بين جميع مكونات المنظومة الإدارية مع حفظ بياناتها ومعلوماتها، فالمراكز الجهوية للبيانات ستقوم على عنصر “البيانات”، هذه الأخيرة تتطلب استخداما لأحدث وأنجع التكنولوجيات المتاحة لمعالجة وتحليل البيانات مع الأخذ بعين الاعتبار حفظ نسخ احتياطية لها في أماكن سرية وآمنة… الأمر لا يتطلب استضافة مواقع عالمية كما لا يتطلب منافسة مركز غلوبل سويتش أو تيليهاوس ولا حتى ليزويب، المقترح يتطلب مجموعة من الخوادم التي تتيح تحقيق الالتقائية المعلوماتية الرقمية بين المؤسسات والإدارات الجهوية ليتسنى لوزارة التحول الرقمي تصميم وإحداث أكبر عدد من التطبيقات الذكية الموجهة لجميع الخدمات الإدارية والمرافق الاجتماعية والقطاعية التي تمس بشكل مباشر الحياة اليومية للمواطن، دون أن تطرح أية مخاوف أمنية ما دامت مراكز البيانات الجهوية ستدعم أمن البيانات ومعالجتها وفق ما يراه المختصون مناسبا… وللإشارة فجميع دول افريقيا والشرق الأوسط لا تتوفر على مركز بيانات متخصص في استضافة المواقع العامة بخلاف إحدى التجارب في طور النشأة لجمهورية مصر التي تطور مركزا سحابيا لم ينطلق بعد.

أخيرا يمكن القول بأن إحداث المراكز الجهوية للبيانات سيرا على نهج إحداث المراكز الجهوية للاستثمار، سيساهم في إرساء مبادئ الحكامة المجالية والذكاء الترابي القائمين على الممارسات الديمقراطية الدستورية، من جهة أخرى الجيل الرقمي الذي نعيشه يتميز بكونه جيل البيانات الضخمة، وهذا يستدعي الاستجابة بشكل دقيق لتطورات الثورة التكنولوجية في جوانبها المادية والملموسة. وعلى هذا الأساس، يأتي مقترح إحداث مراكز جهوية للبيانات الخاصة كحل أنجع لتوفير الاستقرار والأمن للأنظمة والبيانات علاوة على توفير البيئة المثلى لعمل الخوادم من خلال توفير الظروف الملائمة التي تضمن الاستدامة والاستمرارية.


شاهد أيضا
تعليقات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.