في القرن الحادي والعشرين، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تكنولوجية توظيفية لتحسين الكفاءة والإنتاجية فحسب، بل تحول إلى عنصر جذري يتحكم ويؤثر في حياتنا اليومية بطريقة تشبه تأثير المخدرات، من خلال الإحصاءات والمعطيات الحديثة، يمكن فهم مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على الأفراد والمجتمعات وكيف أصبح “أفيون الشعوب” الجديد، مما يسائلنا كمستخدمين لأدواته حول استدامة هذا الاعتماد وتأثيره على مستقبل الإنسانية.
1- تغلغل الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية
وفقا لتقرير صادر عن مؤسسة “جارتنر” عام 2023، يُستخدم الذكاء الاصطناعي في 90% من التطبيقات الرقمية اليومية، بدءا من التوصيات على منصات الفيديو مثل “نتفلكس” وصولا إلى المساعدات الصوتية مثل “أمازون أليكسا” و”جوجل أسيستانت”… هذه التطبيقات تعمل على تشكيل سلوكياتنا واختياراتنا اليومية بشكل لم يسبق له مثيل، وفي نفس السياق تشير دراسة نشرتها جامعة ستانفورد في تقريرها السنوي حول الذكاء الاصطناعي إلى أن 60% من مستخدمي الإنترنت يعتمدون على الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قراراتهم اليومية، سواء كانت قرارات استهلاكية، تعليمية، أو حتى عاطفية، هذا الاعتماد المتزايد يشبه وفقا لبعض الخبراء، إدمان المخدرات، حيث يصبح المستخدمون غير قادرين على الانفصال عن الأنظمة الذكية التي تبسط لهم مهامهم وتقوم مقام قدراتهم العقلية في التفكير والتخمين واتخاذ القرارات المناسبة…
2- الآثار النفسية والاجتماعية للذكاء الاصطناعي
تشير الأبحاث إلى أن الاستخدام المفرط (الإدمان) للذكاء الاصطناعي يولد شعورا بالراحة الزائفة، مما يدفع الأفراد إلى تقليل مجهوداتهم الذهنية، على سبيل المثال، أظهر استطلاع أجرته “ماكينزي” أن 47% من الأشخاص الذين يستخدمون تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل مكثف يعانون من ضعف في القدرة على اتخاذ القرارات بأنفسهم دون الرجوع إلى التكنولوجيا، على صعيد آخر، أظهرت دراسة حديثة أجرتها جامعة كامبريدج أن الذكاء الاصطناعي يعزز ظاهرة العزلة الاجتماعية، حيث يعتمد 35% من الشباب على التطبيقات الذكية لإدارة حياتهم الاجتماعية بدلاً من التفاعل المباشر مع الآخرين…
3- الاقتصاد الآلي الذكي … أداة لتحكم الأسواق
من الناحية الاقتصادية، أظهر تقرير للبنك الدولي أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في عمليات التسويق الإلكتروني قد أدى إلى تحقيق أرباح تصل إلى 35% زيادة للشركات التي تعتمد عليه بشكل مكثف مقارنة بالشركات التقليدية، لكن في المقابل أشار التقرير إلى أن هذا التوسع أدى إلى تهميش المقاولات الناشئة الصاعدة وتقليص فرصها في السوق الوطنية والعالمية، علاوة على ذلك، أصبحت البيانات الشخصية بمثابة “عملة الجيل الخامس”، حيث يعتمد الذكاء الاصطناعي على تحليل سلوكيات المستخدمين لجذبهم نحو شراء منتجات أو خدمات محددة، مما يجعلهم عالقين في دائرة استهلاكية بدون منافذ…
ما وراء الإدمان… كيف يمكن التحرر؟
على الرغم من الميزات والخصائص الفريدة والكبيرة التي يتسم بها الذكاء الاصطناعي، يبقى من الضروري أن نطرح سؤالا جوهريا حول ما إذا كنا اليوم بحاجة إلى مراجعة علاقتنا بهذه الادوات التوليدية الذكية؟ يشير الفرقاء والمحللون إلى أهمية تعزيز “الوعي الرقمي” وتطوير مهارات التفكير النقدي، حيث يمكن للتعليم أن يلعب دورا محوريا في تقليل الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي الذي وبالرغم من كونه أداة قوية ومفيدة إلا أنه تحول إلى “أفيون الشعوب” في عصرنا الحالي، بحيث أصبح يؤثر على كافة جوانب حياتنا النفسية والاجتماعية والاقتصادية، فبينما يقدم فرصا مذهلة للنمو والتقدم، يجب أن نتعامل معه بحذر لضمان ألا يصبح عنصرا يعوق حريتنا أو إنسانيتنا، فالتحرر من هذا الإدمان يتطلب وعيا جماعيا وإجراءات تنظيمية تعيد التوازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي واحتياجاتنا كبشر