عَجَبٌ أمر هذه الدنيا، لله فيها شؤون وعبر وغرائب وعجائب، منها ما نحسن الاعتبار منه ومنها ما دون ذلك.
لقد ابتليت البشرية منذ سنتين بوباء لا قِبَلَ لها به، حيَّر العقول وأسال المداد وفرض أسئلة الخلفيات وأنْهَكَ الاقتصادات وفَتَكَ بالملايين وأطاح بأنظمة ورفع قَدْرَ أخرى. إنه وباء كوفيد- 19 الذي لم يَبْرَحْنا بعدُ وما يزال يعيش معنا بالمد والجزر ونعيش معه بالكر والفر. لقد كان محنة متعددة الأوجه كما سلف، لكن لم تخل مِحَنُهُ ونِقَمُهُ من نِعَمٍ وأفْضَال، منها ما عرفناه ومنها ما جهلناه.
والمثير أن أزمة كورونا ألجأتنا اضطرارا لا اختيارا إلى التكنولوجيا الرقمية، وأضحى مدى التحول الرقمي شاملا لكل مناشط الحياة البشرية، الفردية والجماعية، الدينية والدنيوية.
إن المسلمين تهفو أفئدتهم وقلوبهم وأرواحهم لاستقبال موسم الحج بدءا من اليومِ أولِ أيام العشر الأوائل من ذي الحجة الحرام، ويتلهف من قُدِّرَ لهم أداء مناسك الحج هذا العام بعد حرمان طال سنتين متعاقبتين.
واليوم نتوقف عند نِعَمِ كوفيد- 19 والحج هذا العام، حيث تواترت الأخبار القادمة من أرض الحرمين الشريفين، أن السلطات السعودية عبأت مجموعة من الإجراءات الرقمية استثمارا لتقنيات الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الذكية، تسهيلا للمناسك وصونا للصحة العامة للحجاج، ومن هذه الإجراءات:
- التعليم الرقمي للمناسك: وفرت السلطات السعودية نظاما للتعليم الافتراضي لمناسك الحج والعمرة، بحيث يمكن لمستخدمي هذا البرنامج من القيام بتدريب عملي لشعائر الحج والعمرة خطوة بخطوة باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي ثلاثية الأبعاد(3D)؛
- البطاقة الذكية للحاج: وهي بطاقة تقدم أربع خدمات، خصوصا ما يتعلق بالبرنامج الخاص بالحاج حامل البطاقة والفوج الذي ينتمي إليه والحافلة التي تُقِلُّه، وتتضمن معلوماته الشخصية والطبية والسكنية؛
- الإنسان الآلي(الروبوت الذكي): حيث ستستعين السلطات القائمة على خدمات الحرمين الشريفين بهذا الروبوت – المزود بشاشة وكاميرا وميكروفون- للقيام بعمليات التعقيم والوقاية في الأماكن المغلقة، وتوزيع قنينات ماء زمزم بدون لمس، ويحتوي على خاصية الإنذار المبكر، والعجيب أكثر أنه يتنقل بين الحجيج ويجيب عن استفساراتهم، ويمكنه قياس درجات حرارتهم ومراقبة مدى التزامهم بالتدابير الوقائية؛
- تطبيق”تنقل“: كما سيتم إطلاق تطبيق “تنقل” مخصص للحجز الإلكتروني المسبق للعربات في المسجد الحرام لفائدة الأشخاص كبار السن وذوي الإعاقة، ويُمَكِّن أيضا من الاقتناء الإلكتروني للتذاكر؛
- تطبيق”المقصد”: المتاح للحاج لتسهيل مهمته في البحث عن أي موقع داخل المسجد الحرام، وخارجه، باستعمال تقنية الربط بنظام التحديد العالمي( GPS)؛
- تطبيق”مناسكنا”: وقد اعتمد لتسهيل أداء المناسك وتعريف الحجاج بها خلال رحلتهم في المشاعر المقدسة، وهو تطبيق مدعم ب 7 لغات على رأسها اللغة العربية، ويتضمن معلومات أساسية مثل مواقيت الصلوات وتحديد اتجاه القبلة وتحديد المساجد القريبة وحالة الطقس وتحويل العملات، كما يُمَكِّنُ من معرفة أماكن وجود الحاج حاملِ هذا التطبيق.
إن كوفيد- 19 والحج، عنوان لتجليات الثورة الرقمية وفضائلها على العالمين، وعلى المسلمين خاصة وعلى الحجاج بصفة أخص، فالنِّعَمُ الدينية للتكنولوجيات الرقمية لا حدود لها ولا حصر، فاليوم نشهد النِّعَم الرقمية للحج، وقبل اليوم شهدنا النِّعَم الرقمية على الصلوات والأذان والزكاة ونظام احتساب المواريث وغيرها، وغدا لا ندري ما سنشهده رقميا فيما يتصل بديننا ودنيانا.