قواعد مدنية للطائرات بدون طيار (درون) … نحو تجسيد أمثل للمراقبة الترابية الذكية
أتطرق ضمن محتوى هذه المادة لموضوع المُسَيَّرات المدنية وما يصطلح عنها بالطائرات بدون طيار (الدرون) في الشق التوظيفي مدني- مؤسساتي، مع الإشارة إلى عامل الابتكار التكنولوجي في مسار تصنيعها وإنتاجها لخدمة مهام مختلفة حسب السياق والأهداف، كما سأتطرق لأسباب وتداعيات منع الاستعمال العمومي لهذه التكنولوجيا التي تمثل سلاحا ذو حدين في نظر القانون، لن أتطرق لموضوع المسيرات الحاصدة والقاتلة “رايبر إميكيو9” أو “البلاك هورنت” لأنها نظام عسكري فتاك يمكن أن يسيطر ويقضي على جيش بأكمله في ظرف وجيز وهذا دليل كاف لإدراك مدى خطورة هاته الطفرة التكنولوجية المخيفة.
يعتبر القرار “رقم 15- 386 ، والذي تم اتخاذه من طرف الوزارة المنتدبة المكلفة بالتجارة الخارجية، والمؤرخ في 6 فبراير 2015 ، نشر بالجريدة الرسمية رقم 6337 الصادرة يوم 23 فبراير الجاري” منع العمل بالدرون من طرف السلطات المغربية والتشدد في استيرادها قرارا حكيما ينم عن وعي تام بخطورة تعميم استخدام المسيرات المدنية في الأجواء بشكل عشوائي خصوصا وما يمكن أن يترتب عن ذلك من أزمات قد تصل حد تهديد الأمن والنظام العام، لذلك قررت السلطات المختصة منع العمل بها كإجراء يروم التصدي لمختلف المخاطر الأمنية والتداعيات المحتملة على الحياة الخاصة والخصوصية بشكل عام، مع السماح باستعمالها للشركات المتوفرة على رخصة الاستيراد كإجراء استثنائي مع ما تقتضيه الضرورة المهنية من شروط وضوابط… فالدرون اليوم أضحت من الوسائل المبتكرة في مجال التكنولوجيا الذكية التي توظفها المؤسسات الأمنية والمؤسسات الترابية، لأداء مهام مختلفة كتحسين حركة المرور وتقديم توصيات لمواكبة أوراش التأهيل الحضري بالشكل الذي يرقى لتطلعات جميع المعنيين والمتدخلين، ويمكن استخدام المسيرات المدنية لمراقبة عناصر البنى التحتية (الجسور والمسالك الطرقية والأنفاق…)علاوة عن المسح الجيوغرافي لمختلف مكونات الشارع العام وعناصر المنظومة المجتمعية بغية الكشف المبكر عن أي أضرار أو عيوب قد تحتاج إلى تدخل الجهات المعنية للقيام بالإصلاحات الضرورية في الوقت المناسب… وقد لوحظ أيضا أن بعض المصالح الادارية تستخدم المسيرات المدنية في مجال الإغاثة والمساعدة في حالات الكوارث الطبيعية أو الأزمات الناتجة عن التغيرات المناخية المفاجئة وهو ما يسمح بتقييم الأضرار وتوفير المساعدة الطبية وإيفاد الدعم الضروري لتلك المناطق بشكل منهجي ومضبوط خدمة لقاضايا التنمية البشرية والمستدامة.
شكلت المرحلة الوبائية التي عاشها العالم بسبب انتشار فيروس كورونا، فرصة أمام الجهات المسؤولة عن تنفيذ التدابير اللازمة للحد من انتشار الفيروس وضمان سلامة المواطنين، في ضوء ذلك أعلنت السلطات المغربية حالة الطوارئ الصحية (الحجر الصحي الشامل) وهو ما فتح الطريق أمام العديد من الإدارات والمؤسسات نحو اعتماد المسيرات المدنية( الدرون) بغية إطلاق حملات تحسيس وتوعية شاملة بأخطار الفيروس وتداعياته على بعض الفئات والشرائح التي لا تمتلك البنية الكفيلة بردع أعراض كوفيد 19 ومقاومته، ونستحضر هنا بعض الأقاليم والجهات بالمملكة المغربية التي تمكنت من إنجاح عمليات تواصلها مع المواطنين عبر التقنيات المذكورة سلفا من خلال توظيف درونات حاملة لمكبرات الصوت وتسييرها عبر الشوارع الرئيسية والثانوية لنقل وإيصال المعلومات اللازمة والتوجيهات الضرورية التي يتعين اتباعها في حال الشعور بأعراض مرضية، بالإضافة للطرق المتعددة التي وضعت من خلالها العديد من الجهات قنوات للربط الشبكي والرقمي عبر الهواتف أو البوابات التفاعلية درءا لأي طارئ قد يقع، تمثل الطائرات بدون طيار من طراز “مافيك برو 2” و”الانسباير وان”، بالإضافة إلى المسيرات الجيومترية “الفونطوم 4 برو إر تي كا” نموذجا ذكيا ومبتكرًا وفعالًا للإدارات والشركات التي تسعى لاستخدامها وتوظيف تكنولوجيتها في البرامج المرتبطة بالتنمية الترابية والمتعلقة بمختلف المجالات التي تمس الحياة المباشرة للمواطن.
فبالرغم من مختلف المقاربات التقنية والتكنولوجيا التي تطرقت إليها فيما يتعلق باستخدام المسيرات “الدرون” وتوظيفها في المراقبة الترابية، إلا أن إذكاء هذه المراقبة لا يمكن أن يتم دون تصميم مشروع “قاعدة مدنية” أو “محطة تحكم عن بعد في المسيرات المدنية”، هذا المشروع سيسمح لا محالة بشمولية عمليات المراقبة المجالية والترابية سواء أتعلق الأمر بالمخالفات المتعلقة بالسير والجولان، التعمير وحتى مراقبة الشوائب الأمنية ومختلف الظواهر الاجتماعية التي تربك الشارع العام وفي حالة تسجيل أي تراخي في التعاطي معها قد تتسبب في احتقان، فبرنامج الذكاء الترابي الذي تحاول بعض الجماعات الترابية تسويقه يمثل مرحلة أولية فيما يتعلق بمفهوم الذكاء، والأصل أن تنزيل رؤيا الذكاء الترابي يحتاج لمحاور مشاريع جد متطورة ومبتكرة من هذا النوع، وما دامت للجماعات صلاحية اقتناء درونات داخل نفوذها الترابي كما هو الشأن بالنسبة لاقتناء حافلات النقل المدرسي او سيارات الإسعاف، بمعنى آخر فإن هاته المؤسسات المنتخبة مطالبة برصد اعتمادات مالية إضافية لاقتناء الدرونات وإحداث نظام رقمي للقيادة عن طريق تطبيق خاص بكل جماعة يسمح بتسير الدرون عن بعد مع تحديد إحداثيات النقط التي ستركز من خلالها على تنفيذ مهامها دون الخروج عن الحدود الالكترونية المرسومة لها تفاديا لأي تصدعات أو أزمات قد تنتج عن ذلك، هذا المشروع ستكون له تداعيات إيجابية في مسار التحول الرقمي والذكاء الترابي والتنمية المستدامة، إذ لا يعقل اليوم العمل بمقاربات كلاسيكية لا تواكب وتساير التطورات التي تعيشها المملكة المغربية في مختلف المجالات فعلى مجالس الجهات ومجالس العمالات والأقاليم تصميم تصور يراعي خصوصية كل جهة أو إقليم أو عمالة على حدى مع ضرورة تحديد موقع مناسب للقاعدة المدنية أو المحطة يتيح إمكانيات التحليق والمراقبة بشكل فعال بعيدًا عن المناطق السكنية الكثيفة والمرافق الحيوية الحساسة، كما يتوجب تصميم مبنى القاعدة أو المحطة بطريقة تتيح تخزين وصيانة المسيرات “الدرونات”مع ضرورة توفير مساحة كافية لوقوفها وتحليقها، بالإضافة إلى توفير محطات للشحن ومكاتب معلوماتية للتفريغ والصيانة، المشروع يستوجب أيضا تأمين البنية التحتية اللازمة للقاعدة، مثل الأبواب الذكية على شاكلة البوابات القابلة للفتح والإغلاق التلقائي، وأنظمة التهوية الملائمة مع التبريد، كما يجب تجهيز القاعدة بأنظمة أمان متقدمة مثل نظام الاستشعار عن بعد قصد الإنذار عند حدوث أي طارئ بالإضافة إلى تأمين موقع الإقلاع بنظام مراقبة مرئية للغايات المرجوة.
وفي الأخير لابد من الإشارة إلى أن هذا المشروع الذكي يحتاج الى بنية تحتية رقمية تترجم بإمكانياتها جوهر الاهتمام بمشروع الذكاء الترابي عبر تصميم تطبيقات ذكية موجهة لغرض توسيع خدمات القاعدة المدنية للمسيرات لتشمل فصولا جديدة من المهام التي ترتكز على هذا التصور الذكي في أفق تحسين عمليات المراقبة الترابية الفعالة وجعل هذا النموذج من رافعات التغيير كما ورد بمضامين التقرير العام للنموذج التنموي.