تحت هذا العنوان“سنغافورة الأمة الذكية”، نشر الكاتب الدكتور عدوان العوني مقالا له يوم أمس الثلاثاء 25 يوليوز، على الموقع www.maaal.com، نعيد نشره تعميما للفائدة.
***********************
مع أفول نجم بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وتخليها عن مستعمراتها حول العالم ظهرت على الخريطة العالمية دولة صغيرة تسمى سنغافورة. هذه الجزيرة الصغيرة و المفتقرة للموارد الطبيعية التي تمكنها من الاعتماد على نفسها في وسط قوى متصارعة وغير مستقرة حاولت الانضمام لاتحاد الملايو ضمن دولة ماليزيا لكن تم رفض طلبها بحكم وضعها الذي لا يشكل أي نوع من الإغراء لأي دولة فلا وضع اقتصادي جيد ولا وضع مجتمعي مستقر ولا موارد طبيعية مما جعل البعض يصفها بالدولة المنبوذة.
كل هذه التحديات خلقت تحديات كبيرة لقادة الدولة الجديدة من أجل تطويرها في مناحي مختلفة بالاعتماد على الذات دون النظر لعدم توفر المقومات لكل ذلك. كل ذلك كان شيئا من الماضي أما حالياً تصنف سنغافورة بأنها من أكثر دول العالم تطوراً وهي أحد أقوى الاقتصاديات في منطقة النمور الآسيوية كما أن عاصمتها تأتي في مقدمة أذكى المدن حول العالم ويعتبر نظام التعليم لديها من الأفضل عالمياً إن لم يكن كذلك. لن أتحدث عن قصة نجاح سنغافورة ففي الأمر الكثير من التفصيل لكن ما سوف نتحدث عنه في هذا المقال مبادرة الأمة الذكية.
ففي عام 2014م قامت دولة سنغافورة بوضع مبادرة الدولة الذكية (Smart Nation) لتصبح أول دولة ذكية على مستوى العالم. حيث تهدف هذه المبادرة لتحسين جودة حياة الناس وتوفير فرص اقتصادية جديدة وتركز على التحول الرقمي من خلال تقديم حوالي 94٪ من الخدمات بشكل إلكتروني.
وأعلنت سنغافورة أنها ترغب في أن تصبح دولة ذكية وذلك للأسباب التالية:
1– نظراً لصغر مساحتها والكثافة السكانية الكبيرة فيها فقد أنتج ذلك عديدا من التحديات المختلفة والتي كان لابد من التحول الذكي لمواجهة مثل ذلك.
2- – تتميز بوجود خطط طويلة الأمد منذ تأسيسها وتعتبر من أوائل الدول التي تبنت التقنية في الخدمات الحكومية بشكل رسمي وذلك من عام 1980 (Civil Services Computational Program)
3– يرى المسؤولون أن التقنية تفتح آفاقا وفرصا كبيرة لمواصلة التطور والنهوض في الدولة الذي تعيشه الدولة منذ تأسيسها
4– هذه المبادرة تهدف إلى توفير حياة أسهل للمواطنين وتوفير فرصة اقتصادية وبيئة مشجعة للابتكار والاختراع والاستدامة البيئة. بحيث يستفيد كل مواطن من هذه المبادرة. تكون البيوت والشوارع ووسائل النقل أكثر أمانا وراحة واستدامة من خلال استخدام حساسات وأنظمة ذكية في مختلف أرجاء الدولة.
وترتكز مبادرة الأمة الذكية على ثلاث ركائز أساسية هي الاقتصاد الرقمي والحكومة الرقمية والمجتمع الرقمي.
والجميع مشارك ولها دور رئيسي فيها سواء الأفراد أو الجهات الحكومية أو الشركات، كل هؤلاء لهم دور محوري فيها. ولتفعيل ذلك تقدم الحكومة خدماتها بشكل إلكتروني كما أن الشركات الخاصة واكبت هذا التطور وسارعت في هذا التحول الرقمي من خلال برامج شراكة مع الحكومة لنشر الوعي بين المواطنين من خلال مبادرات وأنشطة مختلفة للمساهمة في إنجاح هذا المشروع العملاق.
وقد تناولت مبادرة الأمة الذكية جوانب مختلفة مثل النقل والصحة والتعليم والخدمات الحكومية الرقمية والمشاريع الناشئة والحياة المدنية. وكانت هناك العدد من الممكنات التي ساهمت في نجاح المبادرة وعلمت الحكومة عليها مثل توفير أنظمة وتطبيقات تم بناؤها واختبارها خصيصاً لهذه المبادرة، كما تهدف المبادرة إلى تنمية ثقافة الابتكار والاختراع تطبيق مفهوم الاستدامة من خلال مبادرات فرعية متنوعة. كما عملت الحكومة على بناء قدرات بشرية رقمية من خلال برامج تعليمية تستهدف الطلاب والمعلمين والموظفين كما عملت على استقطاب الكفاءات لتطوير وبناء الحلول الرقمية ضمن المبادرة. وهناك العديد من التطبيقات لهذه المبادرة مثل المدن الذكية والسيارات والمواقف الذكية والأنظمة الصحية الذكية.
ومن أجل تحقيق ونجاح المبادرة تم وضع خطط مختلفة لبناء اقتصاد رقمي وحكومة رقمية ومجتمع رقمي بحيث تقوم كل جهة حكومية أو خاصة بالمساهمة في المشروع وتسريع عجلة التحول الرقمي مع تجهيز البنية التحتية لذلك كما تم العمل على إشراك السكان فيها مع مراعاة الجوانب الثقافية وخصوصية المجتمع السنغافوري و تنوعه العرقي والثقافي.
وعلى الرغم من توفر ممكنات ووسائل النجاح لهذه المشروع في دولة متقدمة تقنياً مثل سنغافورة إلا أن الأمر لم يخل من التحديات والعوائق في هذا الطريق. فهناك الكثير من أفراد المجتمع لم يستوعبوا الفكرة ولم يتقبلوها سواء من ناحية الميزانيات المرصودة أو الخوف والقلق على خصوصية بياناتهم. كما أن مركزية التحول الرقمي الحكومي وتحكم الحكومة في المبادرة قد يعيق الشركات أو قد يسبب في انهيار بعضها. بالإضافة إلى أن المبادرة تعتمد بشكل رئيسي على الدور الحكومي لتشجيع المواطنين لتقديم مبادرات ابتكارية والانخراط في برامج المبادرة.