يشكل الذكاء الاصطناعي ثورة صاعدة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال. تأتي هذه الثورة الجديدة، بعد ثورة وسائل التواصل الاجتماعي التي أتت بعمالقة التكنولوجيا الحديثة، من قبيل الفايسبوك واليوتيوب وإنستغرام وسناب شات… قبل أن يدخل على الخط، تطبيق صيني جديد، هو تيك توك الذي قلب الطاولة على الجميع.
ما وقع في مجال تطبيقات التواصل الاجتماعي، يتكرر منذ أيام معدودة فقط، في مجال الذكاء الاصطناعي. فمنذ 2022، ظهرت تطبيقات أمريكية، بذكاء اصطناعي يحاكي القدرات العقلية للإنسان، وهو ما يعرف بالدردشة الذكية. وبدأت تتوسع هذه التطبيقات، لتسيطر على العالم. لكن الشركة الصينية الناشئة “ديب سيك”، لم تترك للشركات الأمريكية، المجال فارغا لتثبيت هيمنتها العالمية على هذا المجال الذي يشهد تطورا سريعا ومتسارعا.
آخر إنجاز للصين في مجال الذكاء الاصطناعي، هو التطبيق الجديد الذي ينافس شات جي بي تي Chatgpt. قامت الشركة الصينية “ديب سيك” بطرح روبوت الذكاء الاصطناعي الذي يحاكي تفكير الإنسان بشكل مجاني. وفي أقل من 3 أشهر، انخرط في التطبيق الصيني المنخفض التكلفة، الملايين من المواطنين. هذا الواقع خلق أزمة في الشركات الأمريكية التي تحتكر الذكاء الاصطناعي، وتعرضه بأثمنة مرتفعة، تعكس سياسة الاحتكار. فتراجعت بشكل كبير أسهم شركات التكنولوجيا العالمية، وعلى رأس تلك الشركات “شات جي بي تي ” وخاصة شركة “إنفيديا” التي فقدت نحو 600 مليار دولار من قيمتها السوقية، وتراجعت أسهمها بنحو 17%.
كان هذا بسبب روبوت الدردشة الذكية الذي طورته شركة “ديب سيك” الناشئة، التي تتخذ من مدينة “هانغتشو” في شرق الصين مقرا لها. والسر هو تكلفة تطوير أقل بكثير من تكلفة التطبيقات الأمريكية ب 20 إلى 50 مرة. حيث تصَدَّر التطبيق الصيني قائمة التطبيقات المجانية الأكثر تحميلا على متجر أبل في الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وأستراليا، والمملكة المتحدة، متجاوزا تطبيق “شات جي بي تي” الأمريكي الشهير. وبفعل ضغط تحميل التطبيق الغير مسبوق، لم يتمكن الآلاف من المهتمين من تحميل التطبيق الصيني. وهو ما يَعِدُ بمنافسة شرسة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي.
مقارنة أولية بين التطبيق الصيني ديب سيك، والتطبيق الأمريكي شات جي بي تي، تجعلنا نجزم أن التطبيق الصيني يملك من المقومات ما يجعله قادرا على كسب رهان الهيمنة على الذكاء الاصطناعي، والتفوق على التطبيقات الأمريكية، على غرار ما فعل تطبيق تيك توك الصيني، في مجال شبكات التواصل الاجتماعي.
أول مفارقة اتسم بها التطبيق الصيني هو كلفته المنخفضة بشكل كبير. فإذا كانت تكلفة تطبيق ديب سيك لا تتجاوز 6 ملايين دولار، فإن تكلفة تطبيق جي بي تي فاقت 100 مليون دولار. وسبب هذا الفارق الكبير في التكلفة، هو ابتكار الشركة الصينية لجيل جديد من الخوارزميات أكثر نجاعة وأقل تكلفة. كما أن الروبوت الصيني استعمل رقائق ذكية منخفضة التكلفة، عكس التطبيق الأمريكي.
المفارقة الثانية تتحدد في كون خدمات تطبيق ديب سيك مجانية 100 في 100، فيما خدمات تطبيق جي بي تي تصل 20 دولارا في الشهر، وقد تفوق 200 دولارا حسب نوع الخدمات المطلوبة.
المفارقة الثالثة هي أن التطبيق الصيني، رغم أنه مجاني، يزود زبائنه بمعلومات أكثر دقة من تطبيق جي بي تي.
الرئيس الأمريكي ترامب، هدد الصين، في الكثير من تصريحاته، بحرب تجارية ضروس. وكان جواب الصين ليس بالتصريحات، وإنما بالفعل في الميدان. فكيف ستكون أطوار هذه المواجهة الصينية الأمريكية في عالم الذكاء الاصطناعي؟
يبدو أن تطبيق تيك توك الذي هدد عرش التطبيقات الأمريكية في مجال الشبكات الاجتماعية، وهاتف سمارت فون “هواوي” الذي أزاح الهاتف الأمريكي “أيفون” من عرش الهواتف الذكية، كفيل بتنوير المتتبعين بمستقبل الذكاء الاصطناعي بين الغريمين. فمستقبل الذكاء الاصطناعي مفتوح على تطورات تكنولوجية كبيرة، وصراع محموم بين الشركات الصينية والأمريكية.