حرب غزة على فيسبوك وتيك توك ويوتيوب.. لماذا انتصر إيلون ماسك وإكس؟

نشر الموقع الإلكتروني الشرق( asharq.com)، مقالة أمس الخميس 26 أكتوبر، بعنوان حرب غزة على فيسبوك وتيك توك ويوتيوب.. لماذا انتصر إيلون ماسك وإكس؟”، لكاتبتها رنيم إلهامي، تعيد نشرها تعميما للفائدة

*******************

شهدت ساحات منصات التواصل الاجتماعي تطورات لافتة منذ بدء حرب غزة بعدما فوجئ مستخدمون على منصات شركة “ميتا” بحجب منشوراتهم الداعمة للفلسطينيين، والتهديد بحذف محتواهم والحسابات التي تقف وراءه، ما فجر اتهامات بالتحيز والتلاعب بالمعايير الحاكمة لقواعد “حماية المجتمع” داخل الفضاء الإلكتروني.

وقال خبراء في الإعلام الرقمي، لـ”الشرق”، إن القيود على المحتوى التي مارستها شركة “ميتا” (المالكة لمنصات فيسبوك وإنستجرام وواتساب وثريدز)، دفعت المستخدمين إلى منصات أخرى منافسة، معتبرين أن “X” (تويتر سابقاً) وفر مساحة أكبر للتعبير وأتاح الفرصة لحقيقة معرفة ما يحدث.

وقبل بداية الأسبوع الثاني من الهجوم الإسرائيلي على غزة، أعلنت “ميتا” بعد تلقيها “توبيخاً” من الاتحاد الأوروبي، حذف أكثر من 795 ألف منشور باللغتين العربية والعبرية، وصفتها بأنها “مزعجة أو غير قانونية” فيما يتعلق بالحرب.

وتعد الحرب واحدة من أولى الاختبارات الرئيسية لقانون الخدمات الرقمية لدى الاتحاد الأوروبي، والذي دخل حيز التنفيذ في وقت سابق من العام الجاري، ويطلب من الشركات توظيف المزيد من المشرفين على المحتوى، واستخدام جهود التخفيف للحد من انتشار المعلومات الخاطئة.

إسرائيل ومواقع التواصل الاجتماعي

وأدركت إسرائيل مبكراً أهمية الحرب الموازية الجارية على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى إن أحد المؤثرين على الإنترنت، ويدعى حنانيا نفتالي، ويوصف بأنه مقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويتابعه نجله يائير نتنياهو ورئيس البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) أمير أوحانا وغيرهم، أعلن تركه ساحة المعركة الميدانية والتفرغ للمعركة الجارية على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال نفتالي على إكس: “لقد تم استدعائي من خط المواجهة إلى جبهة أخرى: الحرب الرقمية. ومن الآن فصاعداً، عدت لخوض هذه الحرب بين الخير والشر. من غير المعقول أنه حتى في مثل هذه الأيام، من المنتظر أن تشرح إسرائيل موقفها. نحن ندافع عن بيوتنا وعائلاتنا”.

وكان من اللافت أن نفتالي نفسه كتب على إكس، عقب القصف الإسرائيلي لمستشفى المعمداني في غزة والذي أودى بحياة أكثر من 470 فلسطينياً، بينهم نساء وأطفال، أن القوات الجوية الإسرائيلية ضربت موقعاً لحركة حماس داخل المستشفى في غزة، ووصف من ماتوا بـ”الإرهابيين”، لكنه عقب أن انهالت ردود الفعل الرافضة لهذه الضربة الوحشية، أزال التغريدة وراح يروج للرواية الإسرائيلية، التي لا تدعمها أي أدلة، بأن حركة حماس هي التي قصفت المستشفى بصاروخ أخطأ هدفه، قبل أن تعدل الرواية إلى أن حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية هي من يقف وراء الضربة.

تغريدة حنانيا نفتالي التي يقر فيها بأن الجيش الإسرائيلي هو من قصف مستشفى المعمداني في غزة وذلك قبل أن يحذفها في وقت لاحق

قيود أقل

وعلى الرغم من التحذيرات الأوروبية لشركات التكنولوجيا من عقوبات قانونية، حال لم تحذف المحتوى المؤيد لـ”حماس” ومشاهد العنف، إلا أن منصة X أظهرت تبايناً واضحاً في التعامل مع الروايات الفلسطينية للحرب.

ووفقاً للمتخصص في الإعلام الرقمي محمد فتحي، كانت منصة X الأكثر استفادةً من هذه الأحداث، موضحاً أنها “أصبحت المنصة الوحيدة التي ينشر فيها المستخدمون محتواهم دون قيود متشددة”.

وأضاف فتحي، لـ”الشرق”، أنه “على الرغم من التحديات التي واجهها إيلون ماسك، إلّا أن سياساته لم تتغير”، مستشهداً بوضعه خياراً على الفيديوهات والصور يتيح للمستخدمين المشاهدة من عدمها، من دون اتخاذ المنصة قرار الحذف السريع أو وقف الحسابات، طالما اندرج المحتوى تحت بند “حرية الرأي والتعبير”.

ويتفق مع الرأي السابق، خبير قطاع الاتصالات والمعلومات هاني العلمي الذي أشار إلى أن X سجلت عدداً أقل في التغريدات المحذوفة أو حالات إخفاء المحتوى، لافتاً إلى أن الرقم الأعلى للحذف والتجميد كان من نصيب “فيسبوك” و”إنستجرام”.

استغلال الأزمة

المتخصص في استراتيجيات المنصات الرقمية والتسويق الإلكتروني محمد عاطف اعتبر أن النهج الذي سلكه ماسك في التعامل مع حرب غزة “ليس انتصاراً لحرية التعبير أو لقضية على أخرى”، مشيراً إلى أن الملياردير الأميركي “حاول استغلال الأزمة لمصلحته فقط، لتحقيق مكاسب تعوض ما خسرته شبكته الاجتماعية من بريق، بسبب تعديلاته الخاصة بإتاحة المحتوى بمقابل مالي وسياسات التوثيق ومدى تدفق التغريدات”.

ومع ذلك، يستدرك عاطف: “ما سبق لا يغفل أن X كانت منذ بداية الحرب مصدراً لتنوع الأفكار ووجهات النظر المختلفة، ولم يتم حذف محتوى بشكل موجّه كما حدث على منصة فيسبوك وأخواتها”، بحسب تعبيره.

ومع تزايد اتهامات المستخدمين العرب لمنصات شركة “ميتا” ووسائل الإعلام الغربية بتبني الرواية الإسرائيلية فقط، أعاد الملياردير الأميركي على حسابه نشر مقطع فيديو ساخر للمذيع الكوميدي الأميركي جون ستيوارت يُظهر رد الفعل الكبير الذي يتعرض له كل من يوجّه انتقاداً إلى الجانبين في هذه الصراع، معلقاً: “ذلك المقطع نشر قبل 9 أعوام”.

ويفرّق عاطف بين نوعين من مراجعات المحتوى من قبل الشبكات الاجتماعية، موضحاً أن النوع الأول يدخل تحت بند معايير المجتمع، وهذه ثابتة ومعروفة مسبقاً، ويدخل فيها عدم نشر المحتوى العنيف أو المسيء وغيرها من الاشتراطات الخاصة بكل منصة، ولا يوجد خلاف حقيقي على هذا النوع من المحتوى، بحسب قوله.

ويضيف: “أما النوع الثاني من عمليات المراجعة داخل المنصات، فيتعمد إخفاء وجهة نظر معينة في الأحداث العالمية، حيث تتذرع بعض الشبكات الاجتماعية بانتهاك معايير المجتمع الخاصة بها على خلاف الحقيقة في أغلب الوقت”.

ولتفسير اتهامه للشبكات الاجتماعية بالتحيز، يقول عاطف إن “منصتي فيسبوك وإنستجرام، هما أكثر من يستخدم أدواته للتحيّز بشكل فج ومباشر لصالح رواية واحدة ومعينة”، مشيراً إلى أن هذه “الممارسات تكررت عن طريق تقليل الوصول لكلمات معينة مرتبطة بالحدث أو حذف المحتوى كله، أو حتى حذف الصفحات التي تقوم بالنشر من الأساس”.

ويشير عاطف إلى أن الأمر الحاسم في عمليات مراجعة المحتوى يكمن في قدرة الشبكة الاجتماعية على إدارة محتوى المشتركين ومنشوراتهم، موضحاً: “ميتا على سبيل المثال تمتلك القدرة الكاملة تقنياً ولوجيستياً على تنفيذ الحذف والمنع بشكل جزئي أو كامل، إذا أرادت أن تفعل”. في المقابل تنخفض هذه القدرة في منصة “إكس” وتنعدم في شبكات اجتماعية مثل “تليجرام” التي تتسع لتشمل كل المواد، على حد قوله.

يشار إلى أن الرئيسة التنفيذية لشركة X، ليندا ياكارينو، أعلنت في 12 أكتوبر، حذف مئات الحسابات التابعة لحركة “حماس”، وأن المنصة اتخذت إجراءات لحذف أو تصنيف عشرات الآلاف من المحتويات منذ الهجوم على إسرائيل.

“معلومات مُضللة” 

بدوره، قال المحاضر في الإعلام الرقمي والتسويق الإلكتروني بالجامعة الأميركية في مصر فادي رمزي، لـ”الشرق”، إن “الخدمة المدفوعة من منصة X أدت إلى انتشار المعلومات دون رقيب سوى أن صاحب الحساب قد دفع الرسوم المطلوبة، كما أن ماسك سرح عدداً كبيراً من الموظفين الذين كانوا مسؤولين عن مراقبة المحتوى المنشور، وتقلص الفريق من 230 إلى 20 موظفاً حالياً”.

وأضاف رمزي أن “شخصية ماسك المثيرة للجدل ساهمت بشكل كبير في نشر معلومات وصفت بـ”المضللة” ففي بداية الأحداث نصح بمتابعة حسابين بشأن ما يدور في غزة ثم حذف التغريدة لاحقاً بعدما تبين أن “الحسابين ينشران معلومات مضللة”.

تراجع تدريجي

ويقول محمد فتحي إن المؤثرين الداعمين للرواية الفلسطينية في الحرب لجؤوا إلى منصات X و”تيك توك” و”يوتيوب” بسبب “القيود الشديدة التي فرضها فيسبوك على المحتوى، إضافة إلى سياسة الحذف السريع التي انتهجتها شركة ميتا خلال الأيام الأولى من الصراع”، لافتاً إلى أن “عدد مشاهدات المحتوى الخاص بفلسطين ارتفع ما بين 200 إلى 300% في معظم القنوات على منصة يوتيوب”.

ويرى فتحي أن سياسات “ميتا” تراجعت بشكل تدريجي خلال الفترة الأخيرة نتيجة الضغط الإعلامي، والتحدث بشكل كبير عن الخلل في التعامل مع حرية الرأي والتعبير بالمنطقة والتباين في السياسات.

وكانت الحكومة الفلسطينية أكدت قبل عام، على لسان رئيسها محمد اشتية، أن المحتوى الفلسطيني “يشهد عبر فيسبوك حملة شرسة وظالمة”، مطالباً إدارة الموقع بـ”وقف ذلك واحترام المحتوى والرواية الفلسطينية، والتعامل بحيادية وموضوعية مع المحتوى الفلسطيني، وعدم الانحياز للاحتلال الإسرائيلي”.

تيك توك” في المواجهة

ولم تكن منصة “تيك توك” هي الأخرى بعيدة عن أزمة المحتوى المتعلق بحرب غزة، خاصة بعد تحذير أوروبي للشركة من السماح بنشر “محتوى غير قانوني” أو “معلومات كاذبة”.

وأعلنت المنصة، التي يستخدمها في الأغلب أطفال ومراهقون بشكل مكثف، أنها حذفت أكثر من 500 ألف مقطع فيديو، وأغلقت 8 آلاف بث مباشر مرتبط بالصراع بين إسرائيل وحركة “حماس”، بعد أيام من تحذّير الاتحاد الأوروبي.

وأشار محمد عاطف إلى أن منصة “تيك توك” تتشابه إلى حد ما في معايير المحتوى مع منصات ميتا، إلّا أنها وخلال الصراع الدائر بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية فعلت تلك المعايير بشكل مكثف على الصفحات الإعلامية والإخبارية خاصة الكبيرة منها.

ويستدرك: “لكن المنصة تركت الحسابات العادية دون مراجعة كبيرة، فخسرت صفحات الأخبار فقط في هذه الأزمة”،  معتبراً أن هذا بمثابة “فشل كبير، خاصة أننا شاهدنا صفحات إخبارية كبيرة تتعرض لوقف أنشطتها أو تعليق وصولها، بسبب نقلها للأخبار فقط، دون حتى الانخراط في تبني وجهة نظر معينة”.

من جانبه، اعتبر محمد فتحي أن منصة “تيك توك” مثلت في بداية الحرب مساحة لمعرفة ما يحدث، قائلاً إنها حققت 2 مليار مشاهدة، في ظل رغبة كثير من المستخدمين في معرفة ما يحدث داخل قطاع غزة، وذلك على الرغم من أن “سياساتها أكثر صرامة من فيسبوك لحماية المراهقين”.


شاهد أيضا
تعليقات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.