المواطن الذكي … دعامة أساسية لنجاح ورش الذكاء الترابي والمدن الذكية
سبق وأن تطرقنا في العديد من المواد النظرية لمفاهيم عديدة تهم مشروع المدن الذكية Smartcities والرؤية المثالية لتحقيق نموذج الذكاء الترابي Smart territory الذي تتطلع من خلاله المؤسسات الحكومية (القطاعان العام والخاص) لتحسين جودة الحياة العامة خارج السياق المرفقي، وتحسين جودة الخدمات العمومية والإبداع في التدبير الخدماتي الذي يمثل أحد مقومات بناء الثقة بين المواطن والإدارة بشكل عام، لكن ومع كل ما قدمناه سابقا من شروحات مستفيضة حول الركائز النظرية المبدئية التي تسهم في بناء مدينة ذكية كاملة الأركان، ومع ذلك لابد من إحاطة تلك الشروحات بإسنادات معرفية مرتبطة بمختلف الوسائل والتقنيات المتطورة التي تهدف إلى تسهيل الحياة اليومية وتوفير الحلول التقنية الفعالة للمشاكل التي تعترض المواطن بشكل يومي، ونستحضر تقنيات الواجهات البرمجية API التي تسمح بتبادل البيانات بسهولة وفعالية بين الأنظمة والتطبيقات المختلفة، بالإضافة إلى الذكاء الاصطناعي AI كتقنية حديثة تروم تعزيز القدرات البشرية وتحليل البيانات بشكل أكثر دقة وفعالية من خلال الاستخدمات الواسعة النطاق، ومن بين التقنيات الأساسية نجد الحوسبة السحابية Cloud Computingالتي توفر الأنظمة والخدمات المرتبطة بشبكة النت بسهولة وتوفير التكاليف والجهد في إدارة البنية التحتية اللازمة. وتعد لغة الآلة إحدى التقنيات الرئيسية التي تمكّن الحواسيب من فهم وتحليل البيانات والتعامل معها بشكل أكثر دقة وفعالية، وأخيرًا نرصد إحدى أقوى التقنيات وهي التي تربط جسر تواصل الآلة مع الآلة M2M لتمكين الأجهزة المختلفة من التواصل والتفاعل بشكل مستمر ودون تدخل بشري، وهذا يساعد على تسهيل وتحسين عمليات الإنتاج والتحكم في الأنظمة المتعددة.
وقد سبقت الإشارة أيضا إلى أن أي مقاربة لاستحداث مناهج مماثلة للتقنيات السالفة الذكر، سيحدث لا محالة فرقًا حقيقيًا في العالم الرقمي ويساعد في الرفع من الأداء وتحسين الإنتاجية في العديد من المجالات وعلى جميع الأصعدة والمستويات… انطلقنا من الحكامة الذكية Smart Governance باعتبارها مدخلا أساسيا لتحقيق الشفافية والنزاهة وضمان المساءلة المسؤولة من خلال تسهيل التواصل بين الجهات المسؤولة والمواطن، عبر ضمان تحول رقمي يمكن من توفير خدمات إدارية مؤسساتية عبر مختلف الوسائل والآليات الذكية المتاحة، ضمانا للتدبير المرن والتجويد الخدماتي المعصرن والحديث، وعالجنا مفهوم الإدارة الذكية Smart Administration باعتبارها الشريان الضابط للتحول المعصرن المندمج للمنظومة الإدارية والدامج لعناصرها ومكوناتها، البنية التحتية الذكية Smart Infrastructure تبدأ من تصميم مخطط حضري رقمي صديق للبيئة وصولا إلى نموذج البنايات الذكية Smart Buildings، البيئة الذكية Smart Environnement التي تعتمد على أنظمة الاستشعار عن بعد لرصد المخالفات البيئية، وهي الأخرى مرتبطة بشكل وثيق بالطاقة الذكية Smart Energy على اعتبار أن اعتماد تصور الطاقة البديلة يترجم بشكل مباشر تحولا نحو نظام بيئي يراعي مواصفات وشروط الذكاء الترابي المنشود، الاقتصاد الذكي المرتبط بخلق مقاولات رقمية وهيئات تدعم التحول الرقمي وتجعل من أدواته رافعة لتنزيل برامج ومشاريع تمس الحياة المباشرة للمواطنين، أما الحركية الذكيةSmart Mobility فتتعلق بوسائل التنقل سواء في المجال الحضري أو القطاع القروي فلا تتوقف عند الاستثمار في الحافلات أو المركبات الكهربائية بل من الواجب مواكبتها بتطبيقات ذكية Smart Apps لتحديد مواعيد التنقل بالنسبة للمواطنين والطلبة والموظفين حسب الرزنامة العملية لكل فئة على حدة… وكل ما سبق ذكره يندرج ضمن تحسين المرافق العمومية لتتحول إلى مرافق ذكية Smart Services.
فالحلقة الأهم في كل ما سبقت مناقشته والاستفاضة في تحليل معطياته هو المواطن الذي يجب أن يواكب جميع المتغيرات التي تطرأ داخل محيطه، فعليه أن يتسلق مراتب سلم التطور والارتقاء، هو مطالب بأن يكون مواطنا عاديا في بيئة عادية، وأن يتحول الى مواطن رقمي إذا تطلبت بيئته الرقمية ذلك، وعليه أن يكون صديقا للمجتمع والإدارة والبيئة وأن يبتعد مما يمكن أن يخضعه لتوصيف “العدو”، عليه أن يلبس ثوب الذكاء ويتزين بصفاته ومقوماته إذا كانت البيئة ذكية، فالمهم من كل ذلك أن لا يقتصر وجوده على التنظير الرقمي والعدائية للتطورات التكنولوجية والاختباء خلف مبررات الهوية المغشوشة التي تظهر فشله وتجعل منه شخصا غبيا، كما هو الحال عند بعضهم داخل مجتمعنا وللأسف، على أية حال، فالمواطن الذكي هو جزء لا يتجزء من منظومة الذكاء الترابي وهو شريك أساسي في عملية التحول نحو مشروع المدينة الذكية، لذلك يتوجب عليه أن يكون ملما بمختلف التطورات التكنولوجية الحديثة والمراحل التي مرت منها لبلوغ ما بلغت اليه، كما يتعين على المواطن الذكي أن يشغل ذكاءه ليظل متصلا بالجميع ومع الجميع لتحقيق صفة الكائن الاجتماعي، يستلزم ذكاءه الادراك لجميع المخاطر التي يمكن أن تعصف بمحتواه وأعماله الموجودة على شبكة الانترنت، عليه أن يكون مواطنا معنيا بمختلف المشاكل والتحولات التي يعيشها مجتمعه ويحاول جاهدا لعب دور هام في العثور على الحلول الضرورية والمناسبة لظروف وطبيعة ومناخ وخصوصية الأزمة… فالمواطن الذكي في الدول التي تعيش ازدهارا ترابيا وتقدما كبييرا في مجال المدن الذكية، يمثل العنصر الذي يستخدم التكنولوجيا والمعلومات بطريقة فعالة ومبتكرة لتحسين حياته اليومية وتسهيل العمليات الحيوية المختلفة، مثل التفاعل مع الإدارات والمؤسسات والمساهمة في صياغة وتقييم السياسات العمومية. يتميز المواطن الذكي بالاعتماد على الأجهزة الذكية والبرامج التطبيقية والخدمات الإلكترونية للوصول إلى المعلومات والخدمات والموارد بسهولة وفاعلية عالية، وبالإضافة إلى الاهتمام الكبير الذي يوليه للأمن السيبراني والخصوصية الرقمية، ويتبع الممارسات الآمنة عند استخدام التكنولوجيا والانترنت وعلاوة على قدرته الإدراكية للأثر الإيجابي الذي يمكن أن تحققه التكنولوجيا على بيئته ومناخه، ويشارك المواطن الذكي فيدعم تطوير الخدمات الرقمية بغية تحقيق التنمية المستدامة وتحسين الحياة اليومية للناس.
إن إعطاء الأولوية للتعليم والانفتاح على منظومة شاملة ستساهم في الارتقاء بمستوى الوعي التعليمي لدى الأفراد ما سينبثق عنه عنصر بشري يفكر بإيجابية ويلعب دورا إيجابيا في التغيير المطلوب ومواكبة مختلف التطورات التكنولوجية التي يعيشها العالم، فالمواطن المدني الذكي عليه أن يساهم من خلال المشاركة المدنية الذكية في خدمة التنشئة الاجتماعية الرقمية وبناء صرح ترابي يوازي ما تعيشه الدول المزدهرة من تطور وعصرنة وتحديث، لذلك يمثل التكوين والتعليم أبرز مرتكزات نجاح أي مشروع أو أي ورش استرتيجي قد تعول الدولة من خلاله على بلوغ الأهداف المتوخاة ضمانا لتنمية بشرية وتنمية مستدامة شاملة ودامجة…