المدن العربية والأفريقية خارج التصنيف العالمي للمدن الرقمية، إلا واحدة

تقديم

تشير بعض الأدبيات إلى أن استخدام مصطلح المدينة الرقمية”Digital City” (أو المدينة الذكية”Smart City”، مع اعتبار عدم وجود فرق بَيِّنٍ بَيْنَ المصطلحين إلى اليوم)، تَمَّ أول مرة في المؤتمر الأوروبي للمدينة الرقمية الذي عقد في مدينة برشلونة عام 1994، وتلا ذلك انطلاق مشروع المدينة الرقمية في عام 1996 بعدد من المدن الأوروبية.

ويُعَرِّفُ الاتحاد الدولي للاتصالات التابع لمنظمة الأمم المتحدة المدينة الذكية المستدامة بكونها”مدينة مبتكرة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصال لتحسين نوعية الحياة، وكفاءة العمليات والخدمات الحضرية، والقدرة على المنافسة، وتلبي في الوقت ذاته احتياجات الأجيال الحالية والقادمة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والثقافية” بما يعني أنها مدن خالية من التلوث والضجيج الصناعي، وتقوم في قاعدتها الأساسية على التقنية وشبكات الترابط الإلكترونية.

وقد سعت الدول المتقدمة إلى إقامة المدن الذكية استفادة من الإمكانات الهائلة التي تتيحها الثورة التكنولوجية، وأفلحت بعض الدول في ذلك، كما تزال أغلبية الدول تتلمس الطريق، ومن جهة أخرى تتابع العديد من المؤسسات الدولية ومراكز الأبحاث والدراسات نمو المدن الرقمية عبر العالم، وتنتج تبعا لذلك تقارير بهذا الشأن.

ومن التقارير التي صدرت مؤخرا دراسة لشركة إيكونوميست إمباكت ”ECONOMIST IMPACT” مدعومة بشركة نيك” NEC”، نُشِرَتْ أواخر شهر يونيو الأخير تحت عنوان “مؤشر المدن الرقمية 2022“/ “Digital Cities Index 2022“(DCI)، رصدت فيه أداء 30 مدينة ذكية عبر العالم.[2]

  1. شركة إيكونوميست إمباكت المدعومةُ دراستها بشركة نيك:

شركة “إكونوميست إمباكت” هي شركة بريطانية عبارة عن مؤسسة تجمع بين العمل الفكري والتجاري والإعلامي، ويمتد نشاطها على مدى 75 عاما ويشمل 205 دولة.

أما شركة نيك الداعمة للدراسة – موضوع هذا المقال-فهي شركة رائدة في مجال دمج تكنولوجيا المعلومات والشبكات.

  1. مؤشر المدن الرقمية في تصنيف شركة إيكونوميست إمباكت:

يقوم بارومتر المدن الرقمية لسنة 2022، حسب تصنيف شركة إيكونوميست إمباكت، على 4 ركائز، تتوزع على 17 مؤشرًا و48 مؤشرًا فرعيًا، وهي:

  • الاتصال:

وتقيس هذه الركيزة مدى اعتماد المدن على الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وتقنيات الجيل الخامس(G5) والوصول اللاسلكي الثابت والصبيب العالي المتنقل والاتصالات الضخمة وإنترنت الأشياء( ارتباط الأجهزة فيما بينها بنظام الاتصال عن بعد، من مثل الثلاجات والتلفزات وغيرهما).

  • الخدمات:

والمقصود هو مدى قدرة المدن التي يقيسها البارومتر على تقديم الخدمات الصحية الرقمية لساكنتها(الرعاية الصحية والتطبيب عن بعد، والسجلات الصحية الإلكترونية، والتطبيقات الخاصة بالجوائح)، وتوفيرها وسائل النقل الجيدة والبيئة النظيفة وغيرها من الخدمات، إلى جانب اعتمادها على آليات التمويل الرقمي.

  • الثقافة:

وتقيس هذه الركيزة مدى إشراك ومشاركة المواطنين في تصميم مخططات المدن الذكية، ومستوى رضاهم عن الخدمات العمومية الرقمية، وثقتهم في الحكومة الإلكترونية، ومدى القدرة على ابتكار البيانات المفتوحة(المعلومات العمومية المتاحة للجمهور) والولوج العمومي إليها.

  • الاستدامة:

وتعني الوُسْعَ على استخدام التكنولوجيات الرقمية لتحقيق الاستدامة الحضرية، عبر تجويد استخدام الطاقة مثل المياه والكهرباء والإضاءة، وإدارة النفايات وتحقيق جودة الهواء.

  • ترتيب المدن الرقمية الثلاثين الأولى في العالم:

انتهى التصنيف موضوع الدراسة، إلى ترتيب 30 مدينة، وفقا للركائز الأربعة المشار إليها، في حين توجد المدن العربية والأفريقية خارج التصنيف العالمي للمدن الرقمية، إلا واحدة:

  • احتلت العاصمة الدانماركية كوبنهاغن المرتبة الأولى عالميا بتنقيط بلغ 5%؛
  • هيمنت ثماني مدن أوربية وأسيوية وفي المحيط الهادي على المراتب العشر الأولى عالميا(كوبنهاغن وأمستردام ولندن وباريس في أوربا، وبكين وسيول وسيدني وسنغافورة بآسيا والمحيط الهادي)، في حين حلَّت نيويورك وواشنطن في المرتبتين السادسة والتاسعة على التوالي؛
  • ترتيب ثلاث مدن في الولايات المتحدة الأمريكية واثنتين في كل من ألمانيا وإسبانيا وأستراليا، ضمن المدن الثلاثين المصنفة؛
  • وجود مدينة عربية واحدة ووحيدة هي مدينة دبي الإماراتية( بالترتيب 18 والتنقيط 8%)، التي بالمناسبة رفعت تحدي الحكومة الإلكترونية 100% بدون ورق منذ 12/12/2021؛
  • غياب أي مدينة أفريقية؛

خاتمة

إن وجود المدن العربية والأفريقية خارج التصنيف العالمي للمدن الرقمية، يشكل استفزازا لسلطات البلدان العربية والأفريقية، مما يتعين معه القيام بما يلزم لردم الفجوة الرقمية بين مدنها ومدن الدول المتقدمة رقميا.

إذا كان العديد من المدن المغربية تشهد نهضة عمرانية لا تخطئها العين، وتغيرت معالمها رأسا على عقب، فإن المسافة بينها وبين مقومات المدن الذكية ما تزال طويلة، ويتعين ردمها بمزيد من المثابرة المبنية على الإرادة والرؤية ونظام جيد للحكامة وتعبئة للإمكانات، فلا يمكن النجاح في رهان تحقيق مدن مغربية ذكية بالمقاربات الحالية التي تعوزها الاستراتيجيات وبقاطرة للجماعات الترابية تسير رقميا سير السلحفاة.


شاهد أيضا
تعليقات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.