الثورة الرقمية في نظام الصفقات العمومية: هذا عنوان لقرار وزيرة الاقتصاد والمالية رقم1982.21 المتعلق بتجريد مساطر الصفقات العمومية والضمانات المالية من الصفة المادية، الصادر في الجريدة الرسمية يوم 30 يونيو الماضي، والذي سيدخل اليوم الإثنين 11 يوليوز حيزَ التنفيذ
ويندرج هذا القرار الهام في سياق السعي نحو إقرار نص جديد لمرسوم الصفقات العمومية، بعد أن عرفت بلادنا منذ سنة 1999 ثلاثة مراسيم تنظيمية للصفقات العمومية صدرت على التوالي سنوات 1999 و2007 و2013.
وتتجلى أهمية القرار الجديد في المقتضيات الرقمية النوعية التي تضمنها، تقتضي منا ابتداء وسلفا قراءةَ تطورِ حضور الإجراءات الرقمية في المراسيم الثلاثة المذكورة.
- تطور المقتضيات الرقمية في نظام الصفقات العمومية:
بالرجوع لمراسيم الصفقات العمومية الثلاثة، يتبين أن المرسوم الأول رقم 2.98.482 المتعلق بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا بعض المقتضيات المتعلقة بمراقبتها وتدبيرها، المنشور في العدد 4654 من الجريدة الرسمية بتاريخ 7 يناير 1999، قد خلا من أي مقتضى ذي طبيعة رقمية، وأن أول تنصيص على الإجراءات الرقمية في الصفقات العمومية عرفه مرسوم 2007 رقم 2.06.388 المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5518 بتاريخ 19/04/2007.
ومن أهم المقتضيات الرقمية التي أغنت هذا المرسوم، تنصيصه في مادتيه 76 و77 على نزع الصفة المادية عن المساطر، عبر إحداثه من جهة لبوابة صفقات الدولة والتي ستخصص لنشر النصوص القانونية المتعلقة بالصفقات والوثائق ذات الصلة، ومن جهة أخرى لتبادل المعلومات بطريقة إلكترونية بين صاحب المشروع والمتنافسين.
وتكريسا للتوجه الرقمي في تنظيم الصفقات العمومية، وبعد ست سنوات فقط على المرسوم الثاني، صدر المرسوم الثالث رقم 2.12.349 المتعلق بالصفقات العمومية والمنشور في العدد 6140 للجريدة الرسمية بتاريخ 4 أبريل 2013، والدال هنا هو تخصيصه بابا بكامله للمقتضيات الرقمية هو الباب السابع المتعلق بتجريد المساطر من الصفة المادية، حيث نص على مقتضيات من أهمها توضيح الوثائق الواجب نشرها في بوابة الصفقات العمومية، ومسطرة إيداع وسحب أظرفة المتنافسين بطريقة إلكترونية وفتحها وتقييم عروضها، وما تعلق بقاعدة المعطيات الإلكترونية للمقاولين والموردين والخدماتيين وأخيرا مسطرة المناقصات الإلكترونية المعكوسة.
وبعد أن كانت المادة 148 من هذا المرسوم تجعل إيداع أظرفة المتنافسين وسحبها بطريقة إلكترونية في دائرة الإمكان، جعل المرسوم التعديلي 2.20.801 لسنة 2021 ذلك إلزاميا.
- تسريع تحول نظام الصفقات العمومية من المادية إلى اللامادية- الحتمية الرقمية:
واليوم بصدور القرار982.21 المتعلق بتجريد مساطر الصفقات العمومية والضمانات المالية من الصفة المادية، تدخل بلادنا مرحلة جديدة من تحولها الرقمي المأمول، بالنظر للمقتضيات الغنية التي أطرته، استنادا لبعض القوانين النوعية من مثل القانون المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية والقانون المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية فضلا عن القانون المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية.
ويمكن استعراض أهم ما تضمنه القرار المذكور من خلال العناوين الآتية، كما نص على ذلك نصا، بتحديده ل:
- كيفيات مسك واستغلال قاعدة المعطيات الإلكترونية للمقاولين والموردين والخدماتيين؛
- شروط وكيفيات إيداع أظرفة المتنافسين وعروضهم وسحبها بطريقة إلكترونية، وفتحها وتقييم تلك العروض؛
- شروط وكيفيات اللجوء إلى المناقصات الإلكترونية وإجرائها؛
- كيفيات تجريد الضمانات المالية من الصفة المادية؛
ومن ضمن تلك الشروط والكيفيات:
- التوقيع الإلكتروني من لدن المتنافسين على الوثائق المعنية(باستثناء الوثائق الإدارية والتقنية التي تم تجريدها من الصفة المادية)؛
- التوقيع الإلكتروني من لدن مستعملي بوابة الصفقات العمومية، بواسطة شهادة تصديق إلكترونية؛
قد تكون بعض مقتضيات هذا القرار قد سبق التنصيص عليها في مرسوم 2013 وقرارات وزراء المالية السابقين، لكن ما يقتضي التنويه خاصة هو وضعه لخارطة طريق زمنية دقيقة بشأن مواعيد نفاذ الأحكام المتعلقة بوجوب إيداع أظرفة المتنافسين وعروضهم وسحبها بطريقة إلكترونية وكذا تجريد الضمانات المالية من الصفة المادية، والتي حددها كما يلي:
- بالنسبة للصفقات التي يساوي أو يفوق مبلغها التقديري خمسة ملايين درهم(مع احتساب الرسوم): ابتداء من فاتح نونبر 2022؛
- بالنسبة للصفقات التي يساوي أو يفوق مبلغها التقديري مليوني درهم( مع احتساب الرسوم): ابتداء من فاتح فبراير2023؛
- بالنسبة لجميع الصفقات مهما كان مبلغها التقديري: ابتداء من فاتح غشت 2023؛
خاتمة
ما قد يثير الملاحظة أن المرسوم الجديد المرتقب للصفقات العمومية سيصدر متأخرا عن هذا القرار، في حين أن الأخير يستمد مرجعيته من الأول، ومن جهة أخرى لم نجد في مسودة مشروع المرسوم المنشورة للعموم مقتضيات هامة تروم تعزيز رقمنة الصفقات العمومية باستثناء مقتضى جديد ووحيد تعلق بإدراج مفهوم الخدمات المبتكرة لا سيما تلك التي تضطلع بها المقاولات الناشئة العاملة في مجال الانتقال الرقمي.
ومهما يكن، فإن هذا القرار يجسد الثورة الرقمية في نظام الصفقات العمومية، ويشكل نقلة نوعية في مسار التحول الرقمي في بلادنا، في مجال يكتسي أهمية تنموية لبلادنا اقتصاديا واجتماعيا هو مجال الصفقات العمومية، حيث سيخفف الأعباء على أطراف هذه الصفقات ويرفع من نجاعة الأداء، وقبل ذلك وبعده يعزز الإجراءات الكفيلة بترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية في ميدان كان وما يزال – وإن قلَّ- مرتعا للممارسات الفاسدة، مما يسمح بالقول إننا بصدد إنجاز رقمي يرسخ نظام الحكامة الذي ما تزال فيه بضاعتنا الوطنية بضاعة مُزْجَاة.