يتجدد سؤال التعليم الرقمي في المغرب، بالسياق الوطني الذي يتميز بانطلاق امتحانات الباكالوريا ببلادنا يوم الإثنين 13 يونيو الجاري، والسياق الدولي الذي يميزه انعقاد مجلس حقوق الإنسان بجنيف التابع لمنظمة الأمم المتحدة في دورته الخمسين التي ستمتد إلى غاية 8 يوليوز المقبل. والتي سيُعْرَضُ عليها تقرير المقررة الخاصة المعنية بالحق في التعليم، بشأن ”تأثير رقمنة التعليم على الحق في التعليم”
ويوصي التقرير بصفة خاصة ب:
- اعتماد التكنولوجيا الرقمية واستخدامها بطريقة مدروسة لتحسين تعميم التعليم وإمكانية الوصول إليه ومقبوليته وقابلية تكييفه على نحو يشمل الجميع؛
- معالجة الفجوة الرقمية، فضلا عن العقبات التي تحول دون وصول الطلاب والأسر والمجتمعات المحلية إلى التكنولوجيات الأساسية، مثل انعدام خدمة الكهرباء أو الاتصال الكافي بالأنترنت؛
- تقديم التدريب الرقمي للمدرسين وتعزيز كفاءاتهم وقدرتهم على التصرف المستقل في المجال الرقمي؛
- ينبغي للدول أن تستثمر في المنصات الرقمية المجانية والعامة والهياكل الأساسية للتعليم، وأن تمنح التمويل الكافي للمؤسسات العامة لتطوير حلول وأدوات رقمية مجانية بديلة؛
إن هذه التوصيات تعيد التذكير بما عانته بلادنا خلال الأزمة الصحية الناتجة عن وباء كوفيد- 19 في مجالات عدة خصوصا في قطاع التعليم، وما أحدثته من ارتباكات شديدة الوطأة على كل مكونات المنظومة التعليمية، ولا يبدو أننا اعتبرنا بما يكفي بدروس تلك التجربة، كما لا يبدو أن قطار التعليم الرقمي في المغرب وضع على سكته الصحيحة إلى اليوم، والمؤشرات على ذلك أبرز من نار فوق علم:
- غياب سياسة حكومية لتحقيق التحول الرقمي الناجع في قطاع استراتيجي وإنتاجي وتنموي مثل قطاع التعليم بكل أسلاكه، والموجودُ لا يتجاوز برامج محدودة تعوزها الرؤية بعيدة المدى فضلا عن الاندماجية والتكاملية والالتقائية؛
- استمرار الفجوة الرقمية بدون معالجة جذرية وتأثير ذلك على جودة التعليم، حيث يسجل ضعف قدرة الجمهور على الولوج لشبكة الأنترنت خصوصا ذات الصبيب العالي، إلى جانب محدودية الولوج لها بالوسط القروي، وقد نبهت تقارير مؤسسات وطنية لهذا الاختلال من ضمنها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ولجنة النموذج التنموي، ووكالة التنمية الرقمية؛
- التأخر في ملاءمة المناهج والبرامج التعليمية مع مقتضيات ورهانات وتحديات التحول الرقمي، والتأسيس لتربية رقمية للناشئة قائمة الذات؛
- استمرار معاناة التلاميذ بالتعليم الابتدائي ومعهم أسرهم، بسبب كثرة المقررات والكتب المدرسية التي ينوءون بحَمْلِها، ولا يظهر أن هناك جدية وإرادة لتوجه مدبري الشأن التعليمي للاستعاضة عن ذلك بمقررات وكتب رقمية محمولة على وسائط رقمية كاللوحات الكفية أو الحواسيب الأقل تكلفة والأعلى مردودية والأدْعى إلى تعزيز “التطبيع” مع الثقافة الرقمية؛
- عدم إنتاج سياسة للتأهيل العام الرقمي لكل مكونات سلك التدريس، إلى جانب باقي الفاعلين في المنظومة التعليمية من إداريين وجمعيات الآباء وأمهات وأولياء التلاميذ وهؤلاء الأخيرين أنفسهم؛
لقد رفعت الحكومة الحالية في برنامجها رهان ”تقليص الفجوة الرقمية وتطوير التعلم الإلكتروني وتعبئة الموارد اللازمة لذلك وتعزيز كفاءات المدرسين في مجال الرقميات”، ومن أجل ذلك قررت عدة إجراءات منها:
– ”اعتماد جواز تعليمي رقمي يُمَكِّنُ الأسر ذات الدخل المحدود من تمويل جزء من اللوازم والمحتوى الرقمي المدرسي”؛
– ”اعتماد شهادة المدرس الرقمي، تكون إلزامية لجميع أطر الأكاديميات الجهوية وتعمم على الأساتذة الممارسين، لضمان الرفع من المستوى المعرفي الرقمي للفاعلين الأساسيين في قطاع التعليم”؛
غير أن تلك الإجراءات لم تترجم بعد إلى تدابير ملموسة ومعلومة للجميع، يمكن أن تشكل مدخلا لانطلاق حقيقي لورش التعليم الرقمي في المغرب.
ولستُ في حاجة في هذا المقام إلى استعراض التجارب الناجحة في ميدان التعليم الرقمي لدول كَرَّست ريادتها الرقمية عالميا، فنموذجنا إزاءها يبعث على الخجل والأسف، للأسف الشديد..