حوار عن التحول الرقمي بالمغرب مع rissala24

نشر الموقع rissala 24 يومه الإثنين 12 فبراير، حوارا مع سليمان العمراني، عن التحول الرقمي بالمغرب، تضمن أهم الأفكار الآتية:

  • تسجيل حصيلة إيجابية متراكمة للتحول الرقمي لمدة عقدين، في القطاعين العام والخاص، لكن يسجل في المقابل ضعف الانخراط والتملك المجتمعِيَيْن لاستحقاقات ذلك التحول؛
  • حتمية التحول نحو رقمنة جميع الخدمات العمومية، للمنافع العديدة للرقمنة، بتصور زمني واضح وانتقال منهجي واعٍ من النظام المادي إلى النظام الافتراضي؛
  • يمكن تفسير أهم عوامل ضعف الانخراط المجتمعي في استحقاقات التحول الرقمي في الفجوة الرقمية القائمة، وفي ضعف الوعي والتكوين الرقمِيَيْن للمجتمع، وفي الخصاص الحاد في المقاربة التشاركية لبلورة السياسات العمومية الرقمية؛
  • ضرورة انخراط الإعلام العمومي والخاص وهيئات المجتمع المدني والجماعات الترابية، في التعبئة الوطنية لبناء الوعي العام بحتمية التحول الرقمي لبلادنا؛

وفيما يلي النص الكامل للحوار🙁 يمكن الولوج إليه أيضا عبر الرابط)

*************************

في الوقت الذي ترفع الحكومة شعار الرقمنة، سجل المجلس الأعلى للحسابات نسبة 56 بالمئة من عدم فهم المغاربة لهذه الرقمنة، كيف ستنجح الرقمنة في ظل جهل المغاربة بها؟
    إن ثمة أمر جدير بأن يستوقفنا، يتمثل في معادلةٍ بطرفين متنافرين، يتمثل الأول في الجهد العمومي والخاص الذي أثمر حصيلة للتحول الرقمي لبلادنا تقارب العقدين، ويتمثل الثاني في التموقع غير الجيد للمواطنين في ذلك الورش الهيكلي والاستراتيجي.فمن جهة، لا يمكن إنكار حصيلة السياسات العمومية المعبأة منذ سنة 2005 لإرساء تحول رقمي ناجع، وتتجلى تلك السياسات أساسا في المخططات والبرامج المعتمدة “المغرب الرقمي 2013-المغرب الرقمي 2020- توجهات التنمية الرقمية في أفق 2025 الصادرة عن وكالة التنمية الرقمية”، وفي المؤسسات المحدثة ” المجلس الوطني لتكنولوجيات الإعلام والاقتصاد الرقمي- وكالة التنمية الرقمية – اللجنة الوطنية للتنمية الرقمية”، وفي التشريعات الصادرة خصوصا خلال مرحلة 2019-2021، وعلى رأسها قانون ميثاق المرافق العمومية وقانون تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية.
   وعلاوة على ذلك تُسَجَّلُ إيجابا الجهود المقدرة خلال السنتين الأخيرتين للنهوض بالتنمية التكنولوجية الوطنية عبر دعم المقاولة الوطنية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية الرقمية والعمل على تنمية الكفاءات الرقمية داخل القطاع العام وبشراكة له مع القطاع الخاص.
    ذلك جانب من الفعل العمومي لتحقيق التنمية الرقمية الوطنية، وإن كان التموقع العالمي والقاري والعربي للمغرب في مجال التحول الرقمي ما يزال متواضعا ودون الإنتظارات، غير أن المفارقة الصارخة تتجلى في مدى تحقق أثر السياسات العمومية الرقمية على المرتفقين، مواطنين ومقاولات، وأي تموقع لهم ضمن تلك السياسات؟.أشرتم في سؤالكم إلى نسبة 56 بالمئة، التي سجلها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي الأخير 2022-2023 بشأن الأمية الرقمية في المغرب، وهي نسبة رصدتها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات سنة 2021، وإن كانت نسبةً قد يكون طالهَا التحسن بعد سنتين، إلا أن الإشكال لا يتمثل في جهل المغاربة بالرقمنة بل في أمر آخر أكثر تحديا. فهذا الجهل موجود بطبيعة الحال لكنه محدود خصوصا عند الفئات الأمية، لكن تقديري أن جل المغاربة غير منخرطين بما يكفي في استحقاقات التحول الرقمي، بما يعنيه ذلك بالخصوص في استنكافهم عن الإستفادة من الخدمات الرقمية، المعبأة لهم من القطاعين العام والخاص. ولا يمكن تفسير ذلك العزوف بقلة الإمكانات الرقمية “فإحصائيات الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات تظهر الانتشار الواسع للهواتف المحمولة والانخراط في شبكة الأنترنيت: فحسب الوكالة وإلى غاية نهاية الفصل الرابع من سنة 2023، تجاوز عدد المنخرطين في شبكة الأنترنت 39 مليونا ونصف، وتجاوز عدد المنخرطين في شبكة الهاتف المحمول 57 مليونا”.

    إن المعضلة تكمن في ضعف انخراط المواطنين في الحكومة الرقمية، لعوامل تقتضي التوقف عندها طويلا.

نلاحظ أن الحكومة تعمل على رقمنة جميع الخدمات الإدارية والاجتماعية. هل هذا ترى هذا التوجه صحيحا؟

إن رقمنة جميع الخدمات الإدارية ليس توجها صحيحا فحسب، بل أمرا حتميا بما تفيده لفظة “الحتمية” من دلالات. فقد علمتنا أزمة كوفيد ومرحلة الحجر الصحي سنة 2020 كم هو ضروري توفير جميع الخدمات العمومية على الخط، وحتى خارج سياق الأزمات الصحية وغير الصحية فإن ذلك رهان وطني ينبغي أن يكون اختيارا لا ضرورة. فالتحول الرقمي للمرافق العمومية يوفر على المرتفقين الجهد في الوقت والتنقل والمال ويمنحهم الخدمة بنجاعة وجودة، ويقلل من الفساد الإداري وينمِّي الثقة المجتمعية في المرفق العام وغيرها من الفوائد التي لا يتيحها النظام الإداري التقليدي يقينا.

    ولنا عبرة في التجارب المتقدمة عالميا، كيف أسعدت مواطنيها وخففت من معاناتهم. فالعديد منها استطاعت رقمنة جميع الخدمات العمومية تقريبا وأصبحت ترى المكاتب الإدارية خالية إلا من موظفيها، كما تقدم دولة إستونيا الأوربية في ذلك النموذج.وفي سياقنا الوطني، فإن رقمنة الخدمات العمومية لم يبلغ منتهاه بعد، فلم يتيسر إلى اليوم إلا رقمنة قرابة 600 خدمة عمومية “300 لفائدة المواطنين وقرابة 200 للمقاولات وحوالي 100 موجهة للإدارات العمومية”، وهي حصيلة متواضعة تقتضي التسريع وتدارك التأخر.
    بقيت الإشارة إلى أمر أخير، هو أن رهان النهوض بالرقمنة الشاملة للخدمات العمومية يقتضي تصورا زمنيا واضحا وانتقالا منهجيا واعيا من النظام المادي إلى النظام الافتراضي، وهو ما يشكل خصاصا عموميا إلى اليوم.
ما التدابير التي يجب أن تتخذها الحكومة لتمكين مختلف شرائح المجتمع من الولوج إلى العالم الرقمي؟

يملك المواطنون أدوات تكنولوجية للولوج الرقمي كما سبقت الإشارة، لكن ذلك الولوج لم يتحقق بَعْدُ بنسبة مُرْضية، وذلك راجع لعوامل متعددة من أهمها:

  • الفجوة الرقمية المعيقة لذلك الولوج، والتي تتمثل أساسا في التكلفة المرتفعة للأنترنت ذي الصبيب العالي( شبكة الألياف البصرية/fibre optique- الأنترنت الفضائي/ internet satellitaire)، ثم ثانيا في غياب شبكة الأنترنت أصلا أو ضعفها في مناطق هشة بالمغرب؛
  • ضعف الوعي داخل المجتمع بفوائد الاستعمالات الرقمية للخدمات العمومية والخاصة، بما يحقق مصلحة المواطنين أنفسهم ومصلحة الإدارات ومواردها البشرية ثانيا، والنهوضُ بالوعي المجتمعي من شأنه أن يثمن الجهود المبذولة ويعالج مختلف التمثلات الخاطئة وغير المؤسَّسَة داخل المجتمع بشأن الرقمنة؛
  • ضعف التكوين الرقمي المبذول للجمهور، بشراكات مطلوبة للدولة مع المجتمع المدني بالخصوص.
  • غياب سياسة تواصلية عمومية منتظمة مع المواطنين.
  • الضعف الحاد في الإشراك المنتظم للمرتفقين في بلورة وتصميم السياسات العمومية الرقمية، عبر كل الأدوات المتاحة خصوصا آليات الديمقراطية الرقمية.
  • الحاجة إلى بذل مزيد من الجهد لإتاحة الخدمات العمومية الرقمية على مدار اليوم والأسبوع، وتحقيق فورية العمليات والمساطر التي ينجزها المرتفقون عبر المنصات الرقمية؛

كيف يمكننا توعية المواطنين بأهمية الرقمنة؟

إلى جانب الإجراءات المتعيِّنة المذكورة سلفا، يتأكد أيضا أهمية، انخراط الإعلام العمومي والخاص في التعبئة الوطنية لبناء الوعي العام بحتمية التحول الرقمي لبلادنا وتعزيز تنميتها الشاملة بالاستفادة القصوى من الإمكانات الهائلة للتكنولوجيا الرقمية، دون الغفلة عن تهديدتها التي تقتضي سياسة حمائية وطنية، وانخراط هيئات المجتمع المدني في المجهود التوعوي الوطني، اعتبارا لميزة القرب التي تميزها، واعتمادا على شراكات للدولة والجماعات الترابية معها، إلى جانب انخراط الجماعات الترابية، باعتبارها مؤسسات تعبر عن إرادة الناخبين محليا، مما يستوجب منها تعبئة كل الوسائل المتاحة لها قانونيا ومؤسساتيا.


شاهد أيضا
تعليقات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.