التأسيس لمسألة الرقمنة

كل الدول والمجتمعات والمنظمات والهيئات تسعى إلى التوظيف الأمثل والناجع للتطور التكنولوجي، من أجل تجويد خدمات المعلومات وأداءاتها التي تقدمها لجمهورها، سواء الداخلي أو الخارجي.

إن التطور المتسارع في هذا المجال التكنولوجي، والاستخدام المتزايد للانترنيت في التسويق المادي، وكذا المعرفي على الخصوص، وتأثيره الكبير في حياة الناس، أظهر الحاجة الماسة للمنظمات الفاعلة في المجتمع إلى إعادة النظر في منظومتها التربوية والتكوينية، لتتلاءم مع المتغيرات التي فرضها التطور التكنولوجي؛ أي الانتقال من أساس المدخل التقليدي (شفويات وكتابيات المراسلة التقليدية، والتجمعات التقليدية في المقرات والبنايات)، إلى أساس المدخل الابداعي المستمر، والمواكب باستمرار للتحولات التقنية، بتوظيف كافة الوسائط الاتصالية وشبكة الانترنيت للتأطير والتكوين الالكتروني؛ وهو الهدف الذي تسعى إليه كافة المنظمات والمؤسسات، لتجسيده على أرض الواقع، ولضمان جودة الاتصال والتسويق، وتلبية احتياجات أكبر شريحة ممكنة من الناس.

لذلك أصبحت الرقمنة والتكنولوجيا بكل أنواعها ضرورة إضافية ملحة، لا محيد منها. لقد أدرك الجميع-  حتى المشككون في جدواها- أهميتها، بعد انتشار فيروس كورونا، الذي أظهر الدور الحاسم للرقمنة، بل الوسيلة الوحيدة في جميع المجتمعات وفي مختلف المجالات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية.

إذن، إن ما يستوجب اعتماد الرقمنة، هو أنها حولت، اليوم، تطور المجتمعات من التطور على قاعدة الاقتصاد المادي التقليدية إلى التطور على قاعدة الاقتصاد المعرفي القائم على المعرفة والتربية والتعليم عن بعد؛ وبذلك أصبحت معادلة التنمية مرتبطة بتنمية العنصر الوجداني الإنساني ومخاطبته، قبل العنصر المادي الاقتصادي؛ أي إن الأخير مرتبط بالأول وجودا وعدما؛ حيث لا يمكن ضبط التنمية في مختلف المجالات إلا بهذه التنمية الإنسانية التي تستند إلى الحصول، بأرقى وسائل مخاطبة الوجدان، على المعرفة وإنتاجها، والتمكن من مهارات توظيفها وتقاسمها، أو توزيعها بكفاءة عالية.

إجراءات تنزيل الرقمنة

الأول هو ضرورة فهم التكنولوجيا الرقمية، وتكوين القناعة التامة، باعتبارها وسيلة التغيير المستمر، وباعتبارها محددا تنافسيا في العقائد والتوجهات.

الثاني، يتطلب هذا التحول خدمات رقمية موثوقة، وذات جودة عالية، عبر مقاربة إدارية ومتخصصة، تقوم بتأهيل البنية التحتية الرقمية، وتعمل على التكوين في مجال الرقمنة والذكاء الاصطناعي، ومواكبة الرقمنة في الأقاليم والمحليات.

الثالث، لا يمكن الوصول إلى هذا الهدف إلا بالتخطيط الذي يشمل العمل على تعميم الولوج إلى الأنترنيت ذي الصبيب العالي على كافة المستهدفين، ووضع الأهداف والبرامج المسطرة وفق شروط وتعاقدات تعميم الولوج.

الرابع، يتطلب تنزيل مشروع الرقمنة في التكوين والتأطير التربوي، وجود إرادة حقيقية لدى أصحاب القرار لتجسيده على أرض الواقع، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال عضوية الإدارة المتخصصة في مركز القرارات، ووضع خطة استراتيجية شاملة، وتوفير الإمكانات المالية والبشرية التي يتطلبها؛
الخامس، أصبحت المنظمة اليوم مطالبة بفتح ورش وازن يروم الانخراط في اقتصاد المعرفة ومجتمع المعرفة، عبر أربعة مداخل: تكنولوجيا الاتصال والعلاقات العامة، واستعمال اللغات المحلية إلى جانب اللغة الوطنية، والبحث العلمي لتحديد التأثير والتأثر، وابتكار الجديد للتفوق وتجويد العمل والعروض.

خاتمة

إن حتمية اعتماد منظمتنا للتكنولوجيا الحديثة وتقنيات التأطير الإلكتروني، إلى جانب التقنيات التقليدية، يتطلب بناء مفهوم جديد لمنهاج المنظمة؛ أي لبرامجها ومضامينه، وعلاقاتها العامة، وتقنياتها التواصلية، ومواردها البشرية والمادية؛ كما يتطلب توفير الدعم المالي، ومستلزمات التأطير الالكتروني، وشبكات اتصالات سريعة وبجود عالية، وتوفير مكتبات افتراضية موثوقة وآمنة، ومعتبرة في التخطيط الاستراتيجي للمنظمة.

محمد الراجي

متخصص في العلاقات العامة


شاهد أيضا
تعليقات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.