أي موقع للجمعيات في التحول الرقمي الوطني؟ ذلك هو الموضوع الذي أوحى لي به الملتقى التكويني الثالث والعشرون الذي نظمه المركز المغربي لتنمية الكفاءات” نماء” خلال أيام 10 و11 و12 يونيه الجاري، في موضوع ” المجتمع المدني وتحدي التحول الرقمي- من تحدي الحتمية إلى الفاعلية الميدانية“[1]، وكان الملتقى إطارا لمقاربة واقع وآفاق التحول الرقمي في الجمعيات، وقدمت خلاله بعض التجارب الجمعوية الرائدة رقميا، كما عكف خلال الأوراش المنعقدة على بلورة أفكار بشأن النهوض برهانات التحول الرقمي في الجمعيات الوطنية.
وهي مبادرة محمودة للمركز، تعزز مثيلاتها من المبادرات النوعية التي تنهض بها جمعيات وطنية عديدة فاعلة في حقل التحول الرقمي الجمعوي، يضيق حَيِّزُ هذه المقالة عن الإحاطة بها واستعراض الجمعيات التي تقف وراءها.
وهذه مناسبة لمقاربة السؤال الآتي: أي موقع للجمعيات في التحول الرقمي الوطني؟ وهو سؤال بالغ الأهمية لكون الإقلاع الرقمي المنشود لبلادنا يتوقف على تعبئة كل مكونات المنظومة المؤسساتية بقيادة ناجعة مرجوة للجهاز التنفيذي، ومن أهم هذه المكونات النسيج الاقتصادي والنسيج المدني.
إن الجمعيات بقدر ما هي مدعوة لتكون موضوعا للتحول الرقمي، عبر تأهيل تدبيرها الداخلي، بقدر ما يتعين أن تكون أداة للتحول الرقمي في المجتمع، اعتبارا لوظيفتها القائمة على تأطير القُرْب ولأهدافها غير الربحية، والجمعيات مؤهلةٌ بطبيعتها لتكون تلك الأداة أكثر وأحسن من منظمات وهيئات الوساطة في المجتمع الأخرى.
وفي تقديرنا، فإن النسيج المدني الوطني تنتظره على الأقل المهام الآتية:
- الإسهام في تحقيق التحول الثقافي في المجتمع و”التطبيع” مع الاستحقاقات والرهانات الاستراتيجية الرقمية، لكون الممانعة الثقافية الموجودة اليوم للأسف تشكل عطبا وعائقا إلى درجة التهديد لكل الأهداف التي تتطلع إليها المغرب رقميا؛
- التحسيس والتوعية برهانات التحول الرقمي في المجتمع، و”صناعة” المواطن الرقمي الرديف للدولة الرقمية؛
- بذل التكوين التقني لأفراد المجتمع، خصوصا لفائدة كبار السن، في مجالات استعمال تقنيات الحاسوب والهواتف الذكية، وهو مجال عرفنا قيمته خلال فترة الحجر الصحي وعلينا الاعتبار بما قاسيناه حينها. ويمكن استلهام التجارب الناجحة في هذا المضمار لجمعيات رائدة في بلدان عديدة كرست جهدها لبذل العناية الرقمية للمواطنين والمواطنات في مقراتها أو في الفضاءات العامة؛
- رصد التحول الرقمي في المجتمع ومدى نمو الاستجابة المجتمعية له، وكل ذلك سيكون عونا للسلطات العمومية لإدراك مناطق الخصاص لتطوير الاستراتيجيات وضبط “الإيقاعات”.
إلا أن مِلاك تلك المهام ومَنَاطَها ومقوماتها، يتوقف على الآتي:
- تنظيم حوار وطني بمشاركة واسعة للطيف المدني، خصوصا المتخصص منه في المجال، للوقوف تشخيصيا عند الفرص والتحديات القائمة، ولتقديم أجوبة جماعية بشأن الانتظارات من ذلك الطيف؛
- بلورة استراتيجية وطنية للنهوض بالتحول الرقمي في المجتمع، تكون الجمعيات المتخصصة شريكا أساسيا في تفعيلها؛
- تعزيز تأسيس الجمعيات المتخصصة في مجال التحول الرقمي، بناء على الأدوار الطلائعية المنتظرة منها بهذا الخصوص؛
- تأسيس منصة وطنية لتبادل وتثمين التجارب الجمعوية في ميدان النهوض بالتحول الرقمي المجتمعي؛
تعبئة الإمكانات المالية الضرورية لتحقيق وُسْعِ النسيج المدني الرقمي على إنفاذ مهامه بنجاعة، ومن أهم المداخل لذلك الشراكةُ الفاعلةُ مع الدولة والجماعات الترابية.