الهندسة الحكومية المغربية الجديدة… نحو وزارة للذكاء الاصطناعي والتكوين بمهن المستقبل
في ظل تسارع الثورة التكنولوجية العالمية، التي حوّلت الذكاء الاصطناعي (التعلم الآلي والتعلم العميق) وسلسلة الكتل (بلوكتشين) والحوسبة السحابية إلى ركائز أساسية للاقتصادات الحديثة، تبرز إشكالية ملحّة أمام المملكة المغربية، هل تستطيع هندستها الحكومية الحالية مواكبة هذا التحول الجذري؟ بينما تستثمر الولايات المتحدة الأمريكية والصين ودول متقدمة أخرى مليارات الدولارات في صناعة المستقبل، يطرح خبراء وسياسيون مغاربة سؤالا جوهريا، هل حان الوقت لتعويض حقيبتي “إصلاح الإدارة” و”التكوين المهني” بوزارة سيادية مُلحقة برئاسة الحكومة، مكرّسة بالكامل للذكاء الاصطناعي ومهن الغد؟
1- الهندسة الحكومية الحالية بين الواقع والتحدي
تعتمد المملكة المغربية حاليا على وزارتَين رئيستين لتطوير الكفاءات البشريّة وزارة إصلاح الإدارة، التي تركّز على تحديث الهياكل الإدارية، ووزارة التكوين المهني الى جانب قطاع التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، التي تُعنى بتأهيل الشباب لسوق العمل انسجاما مع توجيهات جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الداعية لملاءمة التكوينات مع متطلبات سوق الشغل… ومع أن هذه الهيئات الحكومية حقّقت إنجازات في سياقها الزمني، إلا أن طبيعة التحديات التكنولوجية الحالية تفرض نقلة نوعية، فمهن مثل علوم البيانات (محلل البيانات، تحليل البيانات، هندسة البيانات، حكامة البيانات) والروبوتيك، ولغات البرمجة المتطورة لم تعد ترفاً أكاديمياً، بل أصبحت ضرورة استراتيجية لضمان التنافسية العالمية، كما هو الشأن بالصين والولايات المتحدة الأمركية حيث تشير الأرقام إلى أن الاستثمارات الأمريكية قبل وصول الرئيس دونالد ترامب ووزيره ايلون ماسك للبيت الأبيض، في الذكاء الاصطناعي تجاوزت 50 مليار دولار عام 2023، بينما خصصت الصين ميزانية تفوق 150 مليار دولار لدعم الصناعات الرقمية، في المقابل، تبقى المملكة المغربية رغم المبادرات المعلنة مثل “استراتيجية المغرب الرقمي 2030” بحاجة إلى هيكلة حكومية أكثر جرأة، تُحوّل التكنولوجيا من مشروع ورش ثانوي إلى أولوية استراتيجية سيادية.
إن طموح المملكة المغربية لتكون مركزاً إقليمياً للتكنولوجيات المتطورة يتطلّب إطاراً مؤسساتياً فاعلاً، يتمتع بصلاحيات واسعة وموازنة مالية استثنائية، لذلك على الحكومة المقبلة ان تستحدث ضمن هندستها الجديدة تحت مسمى “وزارة الكفاءات في الذكاء الاصطناعي والتكوين بمهن المستقبل”، تستند على مرتكزات تقوم على المركزية الاستراتيجية من خلال ارتباط الوزارة مباشرة بمؤسسة رئاسة الحكومة وهو ما سيمنحها سلطة تنسيقية والتقائية بين وزارات الاقتصاد والصناعة والتعليم والصحة، لتجنّب التشتت الحالي في المبادرات التكنولوجية، بناء الكفاءات المحورية عبر إطلاق برامج تكوينية متخصّصة في الروبوتيك والبرمجة الموجهة للتعلّم الآلي، مع شراكات دولية مع جامعات وشركات مثل “غوغل” و”مايكروسوفت” و”ميتا” و”أوبن إي آي”… جذب الاستثمارات من خلال سن ترسانة تشريعية مُحفّزة للتعاونيات الصاعدة والشركات الناشئة في البلوكشين والتجارة الإلكترونية، مما يعزّز موقع المملكة المغربية كوجهة للاستثمار التكنولوجي إقليميا وقاريا.
2- التحديات والفرص… هل تستطيع المملكة المغربية الفوز بالرهان؟
رغم الإرادة السيادية التي عبر عنها ملك البلاد في محطات كثيرة من خلال دعوته الى مواكبة تطورات الابتكارات التكنولوجية المتقدمة والتكيف معها والمساهمة فيها … ، إلا أن التحديات كبيرة، فالبيروقراطية الإدارية وضعف الكفاءات العليا والطموح اللازم لديها في المجالات الناشئة قد تعيق التقدم والتطور المنشود… فالمملكة المغربية بقيادة ملك حكيم ورشيد تمتلك شبابا طموحا (نسبة 60% من السكان تحت سن 35) وقادر على تحويل إشكالية الهجرة السرية إلى بناء كفاءات مستقبلية لتوظيفهم في قطاعات المستقبل.
إن تعويض الحقيبتين الوزاريتين الحاليتين ضمن الهندسة الحكومة المقبلة، بوزارة سيادية للذكاء الاصطناعي وتكوين مهن المستقبل ليس مجرد تفكير خارج الصندوق، بل ضرورة وجودية. فالدول التي تأخرت في استيعاب أهمية وزارات الطاقة النووية في القرن العشرين وجدت نفسها خارج الزمن الدولي، اليوم، أمام الحكومة المغربية المقبلة خياران لا ثالث لهما، إما أن تبني هندسة حكومية تكرّسها كفاعل رقمي إقليمي وقارّي، أو تظلّ متفرجة على سباق التكنولوجيا الذي سيتحدّد فيه مصير الأمم.

