يُخَلِّدُ التجار المغاربة يومه الإثنين 21 يونيه عيدهم الوطني، وقد تم إقراره تفعيلا لتوصية منبثقة عن المناظرة الوطنية للتجارة المنظمة بمراكش خلال أبريل 2019، وهي فرصة لطرح السؤال: بأي حال مُرَقْمَنٍ عدت يا عيد؟
واحتفاء بهذه المناسبة، قامت غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط سلا القنيطرة بتنظيم تظاهرة تحت شعار“الرقمنة وسيلة أساسية لعصرنة التجارة“ تمتد للفترة 21-24 يونيو الجاري، ويتضمن برنامجها عدة جلسات وورشات ستتناول أساسا قضايا متصلة ب:
- رقمنة القطاع التجاري: الأهمية والصعوبات؛
- التجارة الإلكترونية واليقظة التكنولوجية؛
- تعميم الثقافة المالية على فئة التجار لاستغلال أنجع للمنتوجات والخدمات المالية؛
وهي مبادرة محمودة لهذه الغرفة ونادرةٌ مثيلاتها، ليس فقط لأنها ستتيح الفرصة لمقاربة كل القضايا التي تشغل وتعني فئة التجار، ولكن أيضا لأن برنامج التظاهرة التفت لعنصر هام يكتسي راهنا وطنيا ودوليا هو رهان التحول الرقمي، وقطاع التجارة معني به ومتأثر به بل حَتْمِيٌّ له.
ومن هذا المنطلق سنتوقف بتركيز شديد عند واقع رقمنة قطاع التجارة في بلادنا، بما له وما عليه.
إن الظاهر للباحث منذ البداية، أن السياسات العمومية والقطاعية المعتمدة في قطاع التجارة، خصوصا الداخلية منها، منذ عقود محدودةٌ وضعيفة، ويمكن تلمس ذلك من خلال الغياب المُخِلِّ للإجراءات النوعية في البرامج الحكومية وبرامج القطاعات الوزارية الوصية، ولأن الفرع تابع لأصله في الغالب فإنه لا يمكن تصور وجود تطور رقمي في قطاع التجارة لكون القطاع برمته لم يتأهل بما يكفي إسوة بباقي القطاعات الإنتاجية الوطنية.
لقد بذلت بعض الجهود في العقود الأخيرة للنهوض الرقمي بقطاع التجارة، لكنها لم تبلغ نهايتها المأمولة ولم تحقق نتائجها المرجوة، ويكفي أن نشير إلى بعض الأمثلة:
- عدم نجاح بعض المبادرات العمومية الرامية إلى الدعم التقني عبر التجهيز المعلوماتي لبعض المقاولات الصناعية، والتجار خصوصا المتوسطين والصغار منهم؛
- محدودية الإقبال على وسائل الأداء المالي الرقمي، لضعف الانخراط العام للتجار الصغار والمتوسطين، والمستهلكين أيضا؛
- ضعف الانخراط العام للتجار في البرامج التحسيسية والتوعوية المعبأة لفائدتهم من قبل مؤسسات مالية وإدارات عمومية وغرف مهنية، والرامية إلى بناء الثقافة والأدوات المالية لدى المستهدفين؛
- توجس عموم التجار من استعمال الأدوات المالية الرقمية، لضعف الثقة فيها ولتكلفتها أيضا؛
واللافت للنظر أن بلادنا لا تتوفر للأسف على استراتيجية للتجارة الإلكترونية إسوة ببلدان عديدة بعضها في جوارنا العربي، والأكثر أسفا أن بلادنا لا تتوفر اليوم على استراتيجية محكمة للتحول الرقمي، والحديث المكثف عنها هذه الأيام هو حديث عن غائب ينتظر الصلاة عليه لا له !
ولعل الاستثناء الذي يخفف قليلا من الانزعاج من هذا الإخلال البَيِّن برهان النهوض برقمنة قطاع التجارة، هو:
- هذه المبادرة الجيدة لغرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة الرباط سلا القنيطرة، واليتيمة تقريبا؛
- مبادرات مجموعة من الغرف المهنية إلى تحديث أساليب عملها وإقامة أنظمة معلوماتية لتلك الغاية، تجسيدا لهدف النهوض بالتحول الرقمي الداخلي؛
- مبادرة وزارة الصناعة والتجارة يوم 7 أبريل الماضي بإطلاق المنصة الرقمية moroccan retail tech builder لرقمنة قطاع التجارة، بهدف مواكبة حوالي 100 من حاملي المشاريع من أجل تطوير حلول رقمية مبتكرة لفائدة التجار، والمقرر حسب بلاغ الوزارة الوصية تصميم أدوات رقمية مبسطة لتمكين التجار من تحديث أنشطتهم؛
وقد أكد الوزير الوصي على القطاع حينها بأن” هذه المبادرة هي بداية المنعرج الرقمي لقطاع حيوي اضطلع بدور أساسي خلال الأزمة الصحية وتمثل إحدى الحلقات المتينة لاقتصادنا. فهي فعلا أحد أبرز مُوفّري مناصب الشغل وفاعل رئيسي بالنسبة للنمو الاقتصادي لبلادنا وعلى مستوى تحقيق سيادته الغذائية والحفاظ على الروابط الاجتماعية. ومن شأن هذه المبادرة أن تسمح للتاجر بتعزيز دوره الحيوي من خلال تحديث نشاطه لتطوير رقم معاملاته وتحسين قدرته التنافسية، مع تقديم عرض يستجيب لمتطلبات المستهلك المغربي”.
إن الانتظار اليوم بهذه المناسبة، مناسبة اليوم الوطني للتاجر، ونحن نطرح السؤال: بأي حال مُرَقْمَنٍ عدت يا عيد؟، أن:
- تتبلور الإرادة الرسمية المعلنة إلى منجزات ملموسة تنهض بقطاع التجارة عامة وتخفف من الخصاص الذي يكبله إلى اليوم، خصوصا الخصاص الرقمي؛
- تتمخض عن فعاليات ومناشط هذا اليوم الوطني للتاجر تقييماتٌ وتشخيصاتٌ للمنجز والخصاص، تكون منطلقا للمرحلة المقبلة؛
- تفعل اتفاقيات التعاون والشراكة التي تربط الوزارة الوصية والغرف المهنية المعنية والمنظمات المهنية الفاعلة في القطاع، خصوصا فيما يتعلق بعصرنته وتعزيز تحوله الرقمي.