يثار من جديد موضوع المالية الرقمية في المغرب، في سياق مصادقة مجلس الحكومة خلال اجتماعه الأسبوعي المنعقد قبل يومين (الخميس 16 يونيو) على مشروع مرسوم متعلق بمدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، والهدف هو ” استثناء المعاملات المنجزة عن طريق المنصات الإلكترونية من الإعفاء من الرسوم الجمركية عند الاستيراد”.
ولسنا هنا في معرض التعليق على هذا القرار، فقد يَرِدُ ذلك في فرصة قادمة، ولكننا نستثمر هذه المناسبة لإثارة هذا الموضوع الذي هو في غاية الأهمية وهو الأداء المالي الرقمي في المغرب.
والمؤكد ابتداء أن أشواطا هامة قطعت في درب إرساء المالية الرقمية في المغرب، وتصعب الإحاطة بكل ما أنجز في هذا الإطار، ولكن حَسْبُنا أن نُذكِّر بالإمكانية القائمة اليوم للأداء الرقمي للضرائب ومستحقات الاستفادة من الخدمات العمومية، والشراءات الرقمية، إلى جانب إمكانية فتح حساب بنكي عن بُعْد دون الحاجة للتنقل لمقرات الأبناك. ولا ننسى هنا التسهيلات التي قدمها بنك المغرب بتوفير 22 خدمة بنكية مجانية، والخدماتُ التي تستخلص الأبناك مقابلا عنها مؤطرةٌ بالتعاقدات بينها وبين زبنائها.
إلا أن المسجل أن الأداء المالي رقميا- دون اللجوء للأداء النقدي أو الأداء عبر الشبابيك البنكية أو الأداء الحضوري في الأبناك- ما يزال موسوما بالخصاص، وقد نبهت لذلك تقارير عديدة لمؤسسات وطنية ودولية، من أبرزها:
- المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره الأخير الصادر في أبريل 2021 بعنوان” نحو تحول رقمي مسؤول ومُدْمِج” حيث أكد فيه أن ” الأداء نقْداً هو الوسيلة السائدة للمُعاملات المالية،كما أنَّ البطاقات البنكيّة تُستَعْمَل بنسبة تفوقُ 89 % في عمليات السَّحْب، الأمْرُ الذي لا يحُدُّ من تداول الأوراق النقدية. وعلاوة على ذلك، لا تزال حلول الأداء عَبْر الهاتف المحمول في مرحلةٍ جنينيّةٍ ولا تستفيد من معدّل انتشار الهواتف المحمولة المرتفع”، وأوصى المجلس ب”تسريع نشر آليّة الأداء بواسطة الهاتف المحمول، في تكاملٍ مع باقي وسائل الأداء الإلكترونية الأخرى على الصعيد الوطني، قصْدَ تدارُكِ التأخير المسجَّل في الشمول المالي، والتقليص من اللجوء إلى الأداء نقداً، وذلك من خالِ وضْع حوافز ضريبية لفائدة التُّجار والفاعلين”؛
- اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي التي دعت إلى ” تسريع تطوير المالية الرقمية واعتمادها من طرف المنظومات التسويقية”، وأكدت أنه ” من الضروري دعم تبني وسائل الأداء الرقمي من طرف منظومة التسويق، بما فيها التجارة الصغيرة، ورقمنة كل الأداءات والدفوعات من الدولة للمواطن”؛
مجموعة البنك الدولي التي نصَّت في التقرير السنوي برسم سنة 2021، الصادر عن بعض خبرائها بعنوان” إيجابيات التكنولوجيا الرقمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: كيف يمكن أن يؤدي اعتماد التكنولوجيا الرقمية إلى تسريع وتيرة النمو وإيجاد فرص الشغل”، أن “الثقة في استخدام خدمات الدفع الرقمي مسألة رئيسية يمكن تعزيزها من خلال آليات الحكومة الإلكترونية(…)، وأن “خيارات الحكومة الإلكترونية مثل التحويلات النقدية الرقمية، وآليات الدفع الرقمية للخدمات العامة، والتحول إلى المشتريات الإلكترونية تحمل وعوداً كبيرة بتسهيل التوسع السريع في الأموال الرقمية بطريقة تبني بسرعة مستوًى من الثقة والطمأنينة في استخدام أنظمة الدفع الرقمي”؛
لكن الصادم هو ما ورد في هذا التقرير، من أن نسبة المغاربة البالغين 15 عاما فأكثر، الذين يستخدمون:
- خدمات الدفع الرقمي لم تتجاوز 17%؛
- الأنترنيت شراء شيء ما عبر الأنترنيت: 6 %؛
- لديهم حسابات خدمات مالية عبر الهاتف المحمول: 1 %؛
- الخدمات المصرفية عبر الأنترنيت: 1%؛
والصادم أكثر أن المغرب في سُلَّمِ هذه المؤشرات الأربع يَقْبُعُ في المرتبة الأخيرة.
إننا تتوفر على مقومات لتعزيز المنجزات في مجال المالية الرقمية في المغرب، ومن أهمها أن عدد الهواتف المحمولة الرائجة في المغرب، حسب دراسة صدرت للوكالة الوطنية لتقنين المواصلات آخر شتنبر 2021، بلغ 52 مليونا[5]، وأن عدد الانخراطات في الأنترنيت بلغ قرابة 34 مليونا، مما يوفر البيئة الخصبة لتفعيل الأداء المالي الرقمي باستعمال التطبيقات المعلوماتية المتوفرة.
إن أبرز المعيقات التي يمكن أن تفسر المستوى الهزيل للأداء المالي الرقمي، تتجلى في تقديرنا في العناصر الآتية:
- جهل عموم الناس بإمكانية الأداء المالي الرقمي عبر الهواتف الذكية والحواسيب، ويفسر ذلك غياب سياسة تواصلية حكومية مع الجمهور، عبر القنوات والوسائط المتاحة؛
- ضعف ثقة المواطنين الذين يعلمون بإمكانية الأداء المالي الرقمي، بشَكِّهِم في صِدْقِيَّة ووثوقية وأمان هذه الخدمات، بصرف النظر عن عدم تماسك هذا الشك؛
- غياب الوعي بأهمية الأداء المالي الرقمي، لما يوفره من اختصار الجهد والوقت، والمال أحيانا؛
ارتفاع الرسوم المطبقة على الأداء المالي الرقمي لفواتير العديد من الخدمات العمومية، والغريب حقا أن بعض هذه الرسوم تتجاوز الرسوم المطبقة على الأداء المالي الحضوري في الشبابيك، وهذا وحده عامل كاف لصرف الناس عن المالية الرقمية، مما يتعين معه القول إن الإدارة العمومية مطالبةٌ بالحذف النهائي للرسوم المطبقة على الأداءات المالية الرقمية، وستكون رابحة خلافا لما قد تظنه ويظنه البعض.