نستعمل شبكة الأنترنيت بشكل يومي. نضع فيها أمورا تخص حياتنا الشخصية وحياتنا المهنية. لكننا قليلا ما نطرح على أنفسنا سؤال من هو مالك شبكة الأنترنيت التي نضع فيها تفاصيل حياتنا؟
الحرية المطلقة التي يتمتع بها رواد الأنترنيت قد تدفع البعض إلى الاعتقاد أن الشبكة هي للجميع ولا أحد يتحكم فيها أويمكنه أن يزعم أنه المسؤول عن إدارتها. الأمر ليس كذلك لأن الأنترنيت يتشكل من عنصرين: عنصر الشبكة أي جميع الأجهزة التكنولوجية المكونة لها سواء المادية كالكمبيوتر والألياف البصرية، أوالافتراضية كبرامج الإعلاميات والتطبيقات.العنصر الثاني هو المحتوى الذي يشمل جميع المعطيات كالكتب التي يمكن تحميلها مثلا والتطبيقات كالفايسبوك ويوتيوب وغيرها. إذا كان عنصر المحتوى يشتغل في ظله رواد الأنترنيت بكل حرية بنشر ما يريدونه من معطيات أوصور أوفيديوهات، فإن الأمر يختلف بالنسبة لعنصر الشبكة. فلوضع تطبيق أوموقع إلكتروني في الشبكة يحتاج صاحبه لعنوان إلكتروني يبدأ ب:”WWW”. هذه العناوين يتحكم فيها نظام “اسم المجال” المعروف اختصارا ب DNS. ومن يتحكم في هذا النظام، يتحكم في الشبكة بكاملها. إدارة هذا النظام ما زالت تطرح إشكالا دوليا لم يتم الحسم فيه.
تاريخيا وبحكم أن شبكة الأنترنيت انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية، وهي التي ساهمت ماديا في تطويرها وفتحها للعموم، فإن إدارة نظام DNS كان في البداية موكولا للدولة الأمريكية. وبعد توسع الشبكة في عقد تسعينيات القرن الماضي، وتدخل القطاع الخاص للاستثمار فيها، قامت هذه الأخيرة بإسناد هذه المهمة إلى مؤسسة محايدة تشتغل تحت إشراف وزارة التجارة الأمريكية تدعى اختصارا IANA. وبعد أن أصبح الأنترنيت يشمل المجالات التجارية والثقافية والاجتماعية، وبحكم عدم استقلالية هذه المؤسسة عن الوزارة الوصية، وأمام ضغوطات القطاع الخاص الأمريكي والمجتمع الدولي ممثلا بهيأة الأمم المتحدة، قامت الدولة الأمريكية بإسناد إدارة نظام DNS في 1998 إلى مؤسسة أمريكية للقانون الخاص تدعى ICANN. إلا أن هذه الأخيرة وعكس ما كان ينتظره المجتمع الدولي، لم تتمكن من مزاولة مهامها بكل استقلالية عن وزارة التجارة الأمريكية التي كانت تربطها بها عقود تحد من استقلاليتها، وتفرض عليها عرض أنشطتها للمصادقة عليها من طرف الوزارة. الأمر الذي تسبب في توترات دولية فرضت على الدولة الأمريكية بعد انتهاء مدة العقد الذي يجمعها مع مؤسسة ICANN في 30 شتنبر 2006، بتعويضه باتفاقيات تمنح للمؤسسة صلاحيات أوسع، وتنتهي مدتها في 2009 لتصبح هذه الأخيرة مستقلة تماما عن وزارة التجارة الأمريكية.
رغم الاستقلالية التي أصبحت تتمتع بها المؤسسة الأمريكية ICANN والتي ساعدت على تطوير الشبكة وتسهيل تسييرها، إلا أن المنتظم الدولي يعتبر أن المؤسسة التابعة لدولة واحدة يمس سيادة الدول الأخرى، إذ يمكن للمشرف على إدارة نظام DNS أن يحجب اسم مجال أي دولة لعزلها عن الأنترنيت وبالتالي عن باقي العالم. على هذا الأساس، أجمع المنتظم الدولي على اعتماد لجنة دائمة للتفكير في تقنين وإدارة الأنترنيت في إطار القمة الدولية لمجتمعات المعلوميات التي أنشأها الإتحاد الدولي للاتصالات المعروف اختصارا UIT. في الاجتماع الأول لهذه الهيأة بجنيف في دجنبر 2003، اتفقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالإجماع، على توصية تقضي بإسناد إدارة الأنترنيت لمؤسسة متعددة الأطراف، ديمقراطية وتتمتع بالشفافية مع إشراك الدول والقطاع الخاص والمجتمع المدني، بالإضافة إلى المؤسسات الدولية. الاجتماع الثاني للقمة الدولية تم في 2005 بتونس، قام خلاله المنتظم الدولي بمحاولة تفعيل توصيات القمة الماضية، وذلك بتبني قرار يتم بموجبه إنشاء في 2006 منتدى دولي حول إدارة الأنترنيت ينتهي بإقرار الشكل المناسب لهذه الإدارة يكون بإجماع كل الهيئات المعنية. لكن هذه القمة ليس لها دور تقريري وبالتالي ظلت إدارة الأنترنيت تابعة للمؤسسة الأمريكية ICANN.
تعج شبكة الأنترنيت بالتطبيقات التي يقاس عدد المستعملين لها بالمليار وليس فقط الملايين. لكن كل معطيات هذه التطبيقات تتحكم فيها المؤسسة الأمريكية وبالتالي تقع تحت رحمتها.