يتحدث الكاتب في هذه المقالة”الثورة الرقمية وتأثيراتها على الإدارة العمومية بالمغرب”، عن رهان اعتماد رؤية استراتيجية لتطوير الإدارة العمومية بالمغرب(المبحث الأول)، وعلى رهان تأهيل الموظف العمومي وتشجيع المواطنين لمواكبة الانعكاسات التي أضحت تفرضها الثورة الرقمية (المبحث الثاني)، ونظرا للأهمية الخاصة للمبحث الثاني فسنكتفي بنشره في هذا الحيز، على أنه يمكن الرجوع للنص الكامل للمقالة في الرابط أدناه.
المبحث الثاني: الثورة الرقمية وانعكاساتها على المواطن والموظف العمومي
أن خيار تبني تكنولوجيا المعلوميات لم يعد رفاهية أومن كماليات الحياة، ولكن أصبح تحديا تنمويا في المقام الأول، ولم يعد هناك بديل عنه للشعوب والأمم لتحقيق تنمية مستدامة، وهذا ما أضحى يستلزم تفعيل جميع المشاريع المتعلقة بتوظيف تكنولوجيا المعلوميات ومواجهة التحديات التي قد تعترض إنجاح هذا الورش الوطني، من خلال العمل على وضع خطط إستراتيجية لإعداد مواطن رقمي قادر على التفاعل الإيجابي مع الوسائط الإلكترونية الحديثة (الفقرة الأولى )، مع العمل على تهيئة موظف عمومي إلكتروني ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: وضع خطط استراتيجية لإعداد مواطن رقمي
إن تعزيز وتدعيم فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أضحى يتطلب تحقيق التعليم والتدريب مدى الحياة لزيادة الابتكار والإبداع للمجتمع لكي يتمكن من التنافس والتواجد في عالم سريع التحولات، وهذا يعني لزوم إعادة النظر في نظم التعليم والتدريب لمواكبة التحول الجديد، بما في ذلك الخطط والبرامج والأساليب التعليمية والتدريبية على كافة المستويات، وإلى توعية اجتماعية بثقافة رقمية، والاستعداد النفسي والسلوكي والفني والمادي، وغير ذلك من متطلبات التكيف.
ذلك أن الإدارة الالكترونية إدارة عمومية مسؤولة عن تقديم المعلومات والخدمات الإلكترونية بطريقة رقمية للمواطنين ومؤسسات الأعمال القادرة على الاتصال إلكترونيا عن بعد، الشيء الذي يتطلب من الحكومات الوطنية الاستفادة من الآليات الإلكترونية الحديثة حتى تتفاعل إلكترونيا مع مواطنيها، من خلال استغلال الفرص التي تقدمها تكنولوجيا المعلوميات والاتصال في الرفع من كفاءة الجهاز الإداري للمساهمة في تحويل الأنشطة الإدارية، من الطرق والأساليب التقليدية إلى تقديم خدمات الإلكترونية أكثر ديناميكية وتفاعلية، والاسترشاد بها من أجل تمكين المواطن من المهارات الأساسية للتفاعل مع مجتمع المعرفة على الصعيد المحلي والعالمي والتحلي بالسمات الأساسية لقيادات الإدارة الإلكترونية، من خلال العمل على:
1- الاستيعاب الفكري لمفهوم الإدارة الالكترونية
إن ناجعة تطبيق خيار الإدارة الالكترونية والحد من المشاكل التي تواجهها بالمغرب، رهين بوضع خطط تنموية تهدف إلى وضع فلسفة جديدة في التكوين والتدريب، تقوم على نمط وأسلوب تعامل وتفاعل بين المواطنين والمؤسسات العمومية على اختلاف أنواعها وتوجهاتها بشكل الكتروني.
ويحتم هذا الأمر بالضرورة إعداد مناهج عمل متكاملة والقيام بحملات توعية تستهدف تهيئة المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني، حتى تكون قادرة على التعامل الإيجابي مع الوسائط والأساليب التقنية الحديثة، عن طريق أشعار جمهور المتعاملين الحاليين والمتوقعين بأهمية القضايا المطروحة من خلال إعلامهم بالإجراءات التي ثم اتخاذها على الشبكة، وتجزئة الأمور والمشكلات المعقدة إلى مكونات سهلة الفهم، وإتباع الأسلوب الاستباقي في تشجيع المستخدمين على الاهتمام بكل جوانب استخدام التقنية المعلوماتية، وذلك من خلال:
- ـإعداد وتهيئة المواطن قبل تطوير التقنيات،
- عقد الندوات والمحاضرات لجميع أفراد المجتمع،
- إدراج التقنيات الإلكترونية كأحد المواد المقررة في المنهج التربوي والتعليمي،
- إطلاق برامج إعلامية لتثقيف المجتمع،
- ضمان فرص متساوية لوصول المواطنين إلى الخدمات الإدارية الإلكترونية،
- خلق ثقافة إيجابية لدى المواطنين والقطاعات المستهدفة بمشروع الإدارة الإلكترونية،
إن الثقافة المعلوماتية وقدرة الفرد على الوصول إلى المعلومة في مصدرها والوقت المناسب والحكم على قيمتها وصحتها وتوثيقها وتأمينها من المهارات الواجبة للتعايش الإيجابي الفاعل مع مجتمعات المعرفة لتحقيق المنفعة من معطياتها واستثمار تحدياتها، وقد اهتمت العديد من الحكومات بتثقيف مواطنيها وتسليحهم بمهارات القرن الجديد أو ألفية المعلوميات المفتوحة، وفي سبيل تحقيقها لهذا الغرض ثم وضع الخطط والسياسات والبرامج للتوعية المعلوماتية على مستوى المواطن العادي، وشاع استخدام مصطلح المواطن الإلكتروني أو الفرد الرقمي للتميز بين المثقف والأمي معلوماتيا، ولعل مثال كوستاريكا يبرز مدى قدرة الدولة على القيام بتنمية الفرد ليتفاعل مع الرقمية، بما جعلها في مصاف الدول ذات المكانة في مجال تكنولوجيا المعلوميات، ولقد كان سبب صعود كوستاريكا إلى مصاف الدول الريادية هنا هو قوة القيادة السياسية وتصميمها على تخصيص جزء من ميزانية الدولة لتنمية قطاع تكنولوجيا المعلوميات والاتصالات.
2 : توعية المواطنين بمزايا الإدارة الإلكترونية لتحقيق التنمية
لقد أضحى موضوع التنمية في جوانبها المتعددة يحتل مكانة مهمة لدى الكثير من الدارسين والمختصين، الكل انطلاقا من الحقل المعرفي الذي ينتمي إليه، ولعل ما ولد هذه العناية بمواضيع التنمية خصوصا الإدارية منها، هو إيمان كل من الفاعلين السياسيين، الاقتصاديين والاجتماعيين، وكذا المواطنين بأهمية ومدى انعكاساتها على مختلف المجالات ذات الارتباط الوثيق بانتظاراتهم ومصالحهم، على اعتبار أن هذا الأخير هو المعني الأول والأخير بالعملية التنموية.
وتظهر أهمية هذه المسألة انطلاقا من المزايا والفوائد التي أصبحت تقدمها تكنولوجيا المعلوميات، فالحديث لم يعد يتمحور اليوم حول سبل الإصلاح الإداري أو التحديث الإداري، وإنما حول القدرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة داخل المنظومة الإدارية، وأيضا مدى القدرة على وضع الإطار القانوني الذي بإمكانه مجابهة كل الأسئلة القانونية التي سوف يطرحها استخدام الوسائط الإلكترونية الحديثة داخل الإدارة العمومية، فهذه الأخيرة هي ابنة بيئتها تتأثر بكافة العوامل المحيطة بها، لذلك فإن تنميتها مرتبطة بمجموعة من الروابط أو نسيج من العوامل السياسية، الاقتصادية، الإدارية والاجتماعية، والعمل على نشر التوعية بأهمية التقنيات الحديثة داخل المجتمع، ولعل هذا ما دفع بالسلطات العمومية إلى اعتماد هذه التقنيات، سواء على مستوى التنظيم الإداري الداخلي أوفي علاقة الإدارة مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي.
نخلص مما سبق، أن وضع خطط استراتيجية لتكوين وتهيئة مواطن رقمي قادر على التعامل بالوسائط الالكترونية الحديثة، شكلت إحدى الانشغالات الأساسية للحكومات والمنظمات الدولية، في سياق بناء نظام متكامل يسهل إعادة تصميم الإجراءات والعمليات الإدارية بشكل يقوم على تطوير القدرات الإدارية، بما يهدف إلى تحسين جودة الخدمات العمومية والنهوض باستخدام التقنيات المعلوماتية داخل الإدارة العمومية، ويحقق بالفعل مفهوم الإدارة الإلكترونية.
الفقرة الثانية : العمل على تهيئة موظف عمومي إلكتروني
إن انخراط المغرب في الدينامية الجديدة لمجتمع المعرفة والإعلام، والعمل على إدخال التقنيات الحديثة إلى المنظومة الإدارية واستعمال الوسائط الالكترونية لتقديم الخدمات العمومية، وتبادل المعطيات والوثائق الإدارية بين الإدارات والمنتفعين بخدماتها، ساهمت في بروز آليات وقواعد للعمل الإداري تشكل تكنولوجيا المعلوميات والاتصال عصب الحياة فيها.
ذلك أن التغيرات الجوهرية التي فرضتها تكنولوجيا الحديثة داخل الإدارة العمومية، فرضا واقعا جديدا على الموظفين العموميين بظهور قواعد والآليات جديدة تنظم العلاقات التفاعلية بين الإدارة والموظف، مما أضحى يتيح لهذا الأخير متابعة وضعيته الإدارية، وتنظيم عمله المهني، وأيضا التقدم بشكاوى إلى جهة عمله أو الجهـة المختصة في حال حدوث خطأ إداري في حقه مما يطور أداء الإدارة وأساليب تنظيمها.
ذلك أن الرهان على الوسائط الحديثة لتطوير العمل الإداري وتزايد الاعتماد على استعمال التقنيات الحديثة لقضاء المصالح الشخصية وتسريع وثيرة العمل الإداري، أضحى يطرح إشكاليـة الحماية القانونية النتيجة عن استخدام وسائل الاتصال الحديثة ونوعيـة الضمانـات القانونية الممنوحة للموظفين العموميين.
1: أثر تطبيق الإدارة الالكترونية على الموظف العمومي
تحدد الأنظمة الوظيفية حقوق وواجبات الموظف العمومي التي يجب عليه الامتثال لها واحترامها، إلا أن أغلب هذه الواجبات والحقوق لا تتأثر بالنظام الالكتروني، وتبقى محتفظة بصفتها وطابعها وذلك لكون تلك الواجبات تستند إلى اعتبارات أخلاقية وإدارية لا تتغير بتغير أسلوب العمل وإنما تنبع من أخلاق المجتمع الوظيفي وعاداته، فإذا كان من حق الموظف العمومي أن يحصل على تأهيل مناسب يؤهله للولوج إلى الوظيفة العمومية، ويجعله قادرا على التفاعل مع الأنظمة الحديثة لتكنولوجيا المعلوميات،
فإن هناك مجموعة من الواجبات التي ينبغي للموظف الالتزام بها للحفاظ على مصالح وحقوق المواطنين لضمان حسن سير المرافق العمومية بانتظام واطراد تحقيقا للمصلحة، تلك الواجبات التي تحددها الأنظمة والقوانين الوطنية أو الأعراف والتقليد المجتمعية المتفق عليها، في سياق تطوير جودة الخدمة العمومية في ظل التطورات التي أصبحت تعرفها الساحة الوطنية في مجال استعمال التكنولوجيا الحديثة.
فإذا كان قانون الوظيفة العمومية يحدد مهام وواجبات الموظف العمومي التي يلزم إتباعها عند مباشرته للعمل الوظيفي وخصوصا واجب أداء الموظف العام لأعمال وظيفته بنفسه، فإنه في ظل النظام الوظيفي الإلكتروني يجب العمل بنفس المبدأ الوظيفي، كونه التزام شخصي يقتضي مباشرته من طرف الموظف بنفسه ولا يجوز له إنابة غيره في القيام به، لذا يجب على كل موظف أن يدخل إلى النظام الإلكتروني الخاص به ليتمكن من قراءة الملفات التي له صلاحية الدخول إليها والاطلاع على مضمونها أو التغيير فيها حسب الصلاحية التي يملكها، والاطلاع أيضا على البريد المرسل إليه من الرئيس الإداري المباشر له ليتمكن مـن إنجاز المعاملات أو الكتب المرسلة إليه وإرسالها إلى الجهة المعنية حسب سياقات العمل المتبعة.
ومع ذلك، فإن التطورات الراهنة في مجال استخدام الوسائط الإلكترونية الحديثة داخل الإدارة العمومية المغربية، وتزايد إقبال الموظفين العموميين عليها، أضحى يفرض تحيين الترسانة القانونية التي تؤطر مجال الوظيفة العمومية حتى يتم الحفاظ على حقوق الموظف العمومي ويستطيع أداء وواجباته بكل كفاءة واحترافية بدون وجود أي نوع من التردد أو العشوائية.
2 : حقوق الموظف العمومي في ظل الإدارة الإلكترونية
لقد اتسمت العقود الأخيرة بتطورات وتحديات عديدة كان لها تأثير مباشر على الإدارة العمومية، ومن أهم هذه التحديات تلك الأدوار الجديدة للموظف العمومي المرتبطة بالتغيرات التي عرفتها البيئة الإدارية، وتطور تكنولوجيا المعلوميات والاتصال وتأثيرات العولمة، ذلك أن الإدارة العمومية كان يجب أن تستفيد من التطورات الحديثة في مجال الإعلام والاتصال والتجارب الدولية في مجال استخدام التكنولوجيا الحديثة لتطوير أداء الموظف العمومي.
ذلك أن التعامل مع نظم المعلوميات يتطلب إحداث تغييرات جذرية في طبيعة الأعمال الإدارية وكيفية تقديم الخدمة العمومية، كما يتطلب نوعية من الموظفين الإداريين القادرين على التعامل مع التطورات التقنية الحديثة.
حيث أن تطبيق مشروع الإدارة الالكترونية مثلا وما ينطوي عليه من استخدام للتقنيات الحديثة، كثيرا ما يطرح تحديات ذات صلة وثيقة بأولئك الموظفين الذين يتعاملون بواسطة هذه الوسائط الإلكترونية للمرة الأولى، ومدى قدراتهم على الالتزام بقواعد السر المهني. كما أن استخدام التقنيات الحديثة داخل الإدارة العمومية أضحى ضرورة مستقبلية لمواجهة تحديات الراهنة وتحسين جودة الخدمات العمومية، بما يحقق للمجتمع ما يصبو إليه من رقي وازدهار.
ومن هذا المنطلق، فإن تطبيق مشروع الإدارة الالكترونية بالمغرب يحتاج إلى إعداد الكوادر البشرية المؤهلة والمدربة على التكييف مع التطورات الدولية في مجال النظم المعلوماتية، وكذلك إلى أجهزة إلكترونية ذات تقنية عالية ووسائل متطورة حتى تحقق الإدارة الإلكترونية أعلى المستويات من النجاح، من خلال الوعي بالأهمية التي تحتلها هذه التقنيات الحديثة في العمل الإداري من طرف الموظفين العموميين بما يؤهلهم إلى الانخراط الفعلي في هذا الورش الوطني، غير أنه لا يمكن إجبار الموظف على الآليات التقنية الحديثة، وإنما يجب إقناعه على الفائدة منها، حيث أن العديد من المختصين يرون في التبسيط الإداري أحد المحاور الأساسية لتحسين علاقة الإدارة بمداريها إلى جانب العمل على إعلامهم وحماية حقوقهم، ذلك أن تعزيز مشاركتهم في هذا المشروع يتطلب ضمان الحقوق التي تسعدهم على الاندماج الفعال والايجابي في التوظيف المتميز لتكنولوجيا المعلوميات داخل الإدارة العمومية، عن طريق:
- إشراك الموظف العمومي في كل مراحل تفعيل الإدارة الالكترونية،
- الحرص على توضيح مرامي وأهداف مشروع الإدارة الالكترونية،
- توعية الموظف العمومي بأهمية الإدارة الالكترونية، من خلال توفير الأرضية الملائمة للعمل الإداري،
- توفير الآليات التقنية الضرورية للعمل داخل مختلف الهيئات والمؤسسات العمومية،
- تنمية المهارات الذاتية للموظفين العموميين، لاسيما في الميادين المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة،
- إعادة توزيع المهام والصلاحيات داخل الإدارات العمومية بما يتناسب ونجاح ورش الإدارة الالكترونية،
- توضيح الاختصاصات المهنية للموظف في مجال التعامل مع الوسائط الالكترونية الحديثة،
- إعادة النظر في مفهوم السر المهني، وحدود مسؤولية الموظف العمومي عن الإجراءات الصادرة عن الأجهزة الإلكترونية المبرمجة مسبقا،
- العمل على صياغة إطار قانوني جديد يضمن الحماية القانونية والإدارية للموظف العمومي في حالات التلاعب بالمعطيات والبيانات الإدارية التي توجد في نطاق الاختصاص الإداري، وحدود المسؤولية الإدارية لكل المتدخلين،
ذلك أن الموظف العمومي هو العنصر الأساسي في سياق التحول إلى الإدارة الإلكترونية، لذا فإنه لا بد من تدريب وتأهيل الموظفين المعنيين، لكي ينجزوا الأعمال المطلوبة منهم عبر الوسائط الإلكترونية بعقد دورات تدريبية للموظفين المعنيين، أو تأهيلهم على رأس العمل، فالعنصر البشري يعتبر محور أي بنيان إداري ذلك أن هذا الأخير مهما بلغت تنظيماته وقوانينه من دقة وحداثة فإن فعالية ونجاعته تظل رهينة فعالية وكفاءة موارده البشرية واستعدادها للعمل والتفاني في خدمة أهدافه.
بقلم: جفري مراد
رابط النص الكامل للمقالة”الثورة الرقمية وتأثيراتها على الإدارة العمومية بالمغرب”